جيمي كارتر يترجل... والعالم يشيد بمسيرة عراب السلام
بايدن يعلن حداداً وطنياً على «فلاح جورجيا» وترامب يشيد بإنجازاته
رحل الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر عن عمر ناهز 100 عام، تاركاً وراءه إرثاً إنسانياً وسياسياً عميقا تجلى في التزامه بالسلام وحقوق الإنسان، رغم التحديات التي عصفت بولايته الوحيدة (1977-1981). وأثارت وفاته حزناً في عواصم العالم وموجة من الإشادات بمسيرته، التي توجها بجائزة نوبل للسلام عام 2002.
وتوفي كارتر في منزله بولاية جورجيا بعد معاناة مع سرطان الدماغ. وتنافس خلفاؤه في تكريمه، حيث وصفه جو بايدن بأنه رجل «عاش حياة لا تقاس بالأقوال بل بالأفعال»، وأعلن يوم حداد وطني في التاسع من يناير على شرفه، فيما أكد دونالد ترامب أنه «عمل بجد لضمان أن تكون أميركا أفضل».
وبينما نعى باراك أوباما «الرجل المميز»، قال بيل كلينتون إن كارتر «عمل بلا كلل من أجل عالم أفضل وأكثر عدالة»، في حين شدد الجمهوري جورج دبليو بوش على أن ما أنجزه كارتر «سوف يلهم أجيالاً من الأميركيين».
واستقبل زعماء العالم نبأ وفاته بحزن شديد، حيث أكد الرئيس الصيني شي جينبينغ في رسالة تعزية أن العلاقة بين واشنطن وبكين هي «من الأهم» في العالم، فيما اعتبرت الخارجية الصينية كارتر «القوة الدافعة وراء إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة، وقدم مساهمات مهمة في تطوير العلاقات بين البلدين».
من جهته، اعتبر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن كارتر «كان رمزاً للجهود الإنسانية والدبلوماسية... وسيظل دوره البارز في التوصل إلى اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل (كامب ديفيد) محفوراً في سجلات التاريخ البيضاء»، بينما نوّه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، من ناحيته، بالجهود التي بذلها الراحل طوال حياته في سبيل السلام، في حين أكّد الملك تشارلز الثالث أنّ كارتر «كرّس حياته للعمل من أجل السلام وحقوق الإنسان». أما المستشار الألماني أولاف شولتس، فقال إن الولايات المتحدة «فقدت مقاتلاً مخلصاً من أجل الديموقراطية»، فيما أعرب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عن حزنه البالغ لوفاة «رجل دولة يتمتع برؤية عظيمة عمل بلا كلل من أجل السلام».
ووصل كارتر إلى السلطة بعد فضيحة ووترغيت التي أسقطت ريتشارد نيكسون، واستهلَّ فترته بتحقيق إنجازات بارزة، منها توقيع اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل العام 1979، كأوّل معاهدة سلام بين إسرائيل ودولة عربية، مما منحه مكانة بارزة كمهندس للسلام.
وعلى الرغم من الإنجازات التي حققها، لم تسلم ولاية كارتر الرئاسية من النقد، فقد عانى كارتر من انتقادات حادة بسبب أزمة احتجاز 52 رهينة أميركية في طهران بعد اقتحام السفارة الأميركية، وفشل محاولة تحريرهم عسكرياً. كما شهدت رئاسته أزمات داخلية، منها ارتفاع معدلات التضخم والطوابير الطويلة أمام محطات الوقود، مما أثّر سلباً على شعبيته ومهّد الطريق لهزيمته أمام رونالد ريغان في انتخابات 1980.
وبعد خروجه من البيت الأبيض، اختار كارتر مساراً غير اعتيادي لرؤساء سابقين، وأسس في 1982 «مركز كارتر»، ليصبح منصة لتعزيز السلام والتنمية ومراقبة الانتخابات حول العالم، فقادته هذه الجهود إلى التتويج في 2002 بجائزة نوبل للسلام، التي اعتبرتها اللجنة النرويجية تكريماً لعقود من العمل الدؤوب من أجل إيجاد حلول سلمية للصراعات الدولية «حيث لم يكن كارتر مجرد وسيط أو مراقب، بل جسّد قيم العدالة والإنسانية في كل مبادراته».
وكان كارتر نموذجاً لرئيس جمع بين الأخلاق والعمل السياسي، وحملت صورته كفلاح بسيط من جورجيا وعوداً بتغيير شامل في أميركا بعد فيتنام ووترغيت، غير أن التحديات التي واجهها خلال رئاسته أثبتت أن النوايا الطيبة وحدها لا تكفي لتحقيق النجاح السياسي، خصوصاً في ظل أزمات عالمية واقتصادية معقدة. ومع ذلك، بقي كارتر مثالاً للرئيس الذي استمر في العمل من أجل السلام حتى بعد مغادرته منصبه.
وبوفاة جيمي كارتر، فقد العالم شخصية جسدت الالتزام والنزاهة والعمل من أجل الخير العام، وتشهد مسيرته على قوة الإيمان بقيم السلام والعدالة، ليس فقط من خلال منصبه كرئيس، بل أيضاً كرجل إنساني كرّس حياته لخدمة البشرية. وبينما تودّع الولايات المتحدة هذا الزعيم، يبقى إرثه مصدر إلهام للأجيال القادمة حول إمكانية تحقيق التغيير الإيجابي، حتى في أحلك الظروف.