ماذا بعد اكتمال ملء سد النهضة؟
مع انتهاء مرحلة الملء الخامس لسد النهضة هذا العام ووصول المياه المخزنة في بحيرة السد إلى أكثر من 62 مليار متر مكعب وبدء التشغيل التجاري لتوليد الطاقة الكهربائية «بعدما تم تركيب أربعة توربينات»، لم تحدث حتى الآن أضرار ملموسة على الجانبين المصري والسوداني، بعكس كل التوقعات السابقة، ربما يعود أحد الأسباب إلى طول فترة ملء السد التي وصلت إلى سبع سنوات وإلى إجراءات الحكومة المصرية بإقامة مشاريع تحلية وإعادة تدوير للمياه، وتعديل تركيب المحاصيل الزراعية كتعويض عن النقص بإيراد المياه من النيل بسبب عمليات حجز المياه، وبتكاليف مالية عالية تحملتها الدولة المصرية.
وبحلول ديسمبر الماضي تدّعي إثيوبيا أنها أكملت بناء السد بنسبة 100% وستصل كمية التخزين إلى 74 مليار متر مكعب، مع تشغيل كل التوربينات السبعة وهو أمر يشكك فيه خبراء السدود والخبراء المصريون، وإزاء هذا «التطور المذهل» كانت مواقف السودان ملتبسة، مرة تأخذ جانب الحياد وأخرى تقف إلى جانب مصر، وسبب هذا التغيير المباشر التوغل الإثيوبي العسكري واحتلال أراض سودانية في منطقة الفشقة عام 2020، وهذه منطقة محاذية لمنطقة أمهرة الإثيوبية، وهي أرض سودانية وفقاً لاتفاقية الحدود عام 1902 الموقعة بين بريطانيا كدولة مستعمرة وإثيوبيا كدولة وطنية مستقلة في عهد الإمبراطور منليك، وفي حينه قام الجيش الإثيوبي بإزالة علامات الحدود بعدما دخلها مزارعون إثيوبيون واستوطنوها لسنوات، حصلت على إثرها مواجهات مسلحة أجبرت الجيش الإثيوبي على الانسحاب، وبموجب اتفاقية 1902 أعطيت إثيوبيا إقليم بني شنقول مقابل «الفشقة» للسودان، وسد النهضة يبعد 20 كلم عن حدود السودان وأقيم في إقليم بني شنقول. المهم أن ما حصل في تلك الفترة أظهر للسودان أن لدى إثيوبيا أطماعاً مزمنة في أراضيه، وتتحين الفرصة إلى ضمها، لذلك حدث التغيير، وقبل ذلك وبعده اعتبر السودان أنه سيجني فوائد من وراء سد النهضة، بالرغم من وقوفه مع مصر في اتفاقية إعلان المبادئ عام 2015، الموقعة في الخرطوم، والتي تلزم إثيوبيا بقواعد ملء الخزان ومواعيد محددة يتم التفاهم بشأنها، لكنه لم يحصل شيء من ذلك، بل تنصّلت أديس أبابا من أي التزام أو تعهد أو قانون دولي.
خبراء الري أوضحوا بجردة حساب، ماذا يمكن للسودان أن يتحصل عليه من وراء بناء السد:
أولاً: سيكون بمقدور السودان الاستفادة من «السلفة المائية» التي غضّت الطرف عنها إلى مصر منذ إنشاء السد العالي عام 1960 إلى اليوم، والبالغة نحو 6 أو 7 مليارات متر مكعب من المياه.
ثانياً: سينظم السد جريان مياه النيل وتنتظم دورة الأراضي الزراعية في السودان، والتي كان الفيضان يغمرها، أي أن بناء السد سيمنع الفيضانات، وبالتالي يتاح للسودان زراعة المساحات الواسعة وبدورة زراعية كاملة.
ثالثاً: سيستخدم السودان كامل حصته من مياه نهر النيل وهي 18.5 مليار متر مكعب، في حين لم يكن بإمكانه أن يستغل تلك الكمية بسبب الفيضانات والسماح لمصر بالاستفادة من 7 مليارات متر مكعب.
رابعاً: سيحصل على كهرباء رخيصة من وراء سد النهضة وتشغيل التوربينات السبعة، وبذلك يكون من أوائل الدول المستفيدة، وهذا ما كانت إثيوبيا تؤكده من أن «التنمية» ستصل إلى جيرانها، وهو نوع من «الإغراء الكهربائي» كي يتم عزل مصر وتبقى وحيدة في المواجهة.
الآن، ماذا بعد اكتمال بناء السد؟
هل سيبقى عامل الأمان هو العنصر المخيف، بوقوع زلازل من شأنها إحداث كوارث مائية في مصر والسودان، أم أن الأرض التي بني عليها صخرية ومقام على «خرسانة ربّانية» كما يقولون، وغير قابلة للزلازل؟
الأيام ستكشف صحة تلك التقارير وسيتبين نوع وحجم الأضرار الفعلية على حياة الشعبين السوداني والمصري ومستقبلهما من وراء بناء سد النهضة.