التخطيط والحوكمة الرشيدة... خريطة طريق للإصلاح

نشر في 06-01-2025
آخر تحديث 05-01-2025 | 19:30
 محمد الجارالله

مع بداية العام وفي العهد الجديد، تجد الكويت نفسها أمام فرصة ذهبية لإطلاق برنامج عمل حكومي طموح يستند إلى الشفافية والإنجاز، ويهدف إلى تحقيق إصلاحات جذرية تعزز كفاءة المؤسسات وترسخ مبادئ الحوكمة الرشيدة. المرحلة الحالية، التي تمنح الحكومة مساحة أكبر لاتخاذ قرارات إصلاحية شجاعة على الصعيدين التشريعي والتنفيذي. ومع ذلك، فإن نجاح هذه المرحلة يتطلب رؤية استراتيجية واضحة، تضع مصلحة الوطن وأولوياته فوق أي اعتبارات أخرى.

التخطيط وبرنامج عمل الحكومة هو الأساس لأي إصلاح ناجح. الكويت بحاجة ماسة إلى منهجية جديدة تركز على الشفافية، وتأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المجتمع الكويتي واحتياجاته. من الخطوات المهمة في هذا الاتجاه تحديد الأولويات الوطنية بوضوح، إذ ينبغي أن تنصب الجهود على إصلاح النظام الإداري للدولة، الذي يعاني من البيروقراطية والدورات المستندية المعقدة التي تعوق الإنجاز وتوفر بيئة لاستغلال بعض الموظفين ومديري الإدارات الذين يعملون لمصالحهم الخاصة. إلى جانب ذلك، يتطلب الوضع الحالي إعادة هيكلة القطاعات الحيوية، مثل التعليم والصحة والاقتصاد، لضمان تحسين جودة الخدمات وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام.

ولا يمكن الحديث عن التخطيط دون ذكر أهمية مراجعة الكوادر الوظيفية في ديوان الخدمة، التي باتت تحتاج إلى ضبط التوازن بين مختلف الفئات. يجب أن تتم هذه المراجعة وفقاً لمعايير الكفاءة والاحتياجات الفعلية للدولة، بعيداً عن تأثير الصوت العالي لبعض الفئات التي تسعى إلى تحقيق مكاسب خاصة على حساب المصلحة العامة.

لضمان نجاح هذه الجهود، من الضروري أن تكون جميع الخطط مصحوبة بجداول زمنية واضحة ومحددة، تتيح للمجتمع المدني مراقبة التقدم المحرز في كل مشروع. يجب أن تكون هذه الجداول الزمنية معلنة عبر وسائل الإعلام المختلفة، لضمان الشفافية وتعزيز المساءلة. ومع ذلك، فإن التخطيط وحده لا يكفي، إذ يجب أيضاً اعتماد مؤشرات أداء واضحة وقابلة للقياس. مؤشرات الأداء هذه هي أدوات أساسية لتقييم مدى تحقيق الأهداف. على سبيل المثال، يمكن قياس نجاح النظام الصحي من خلال خطوات عملية مثل إعادة هيكلة النظام الصحي لمواكبة التقدم وتشغيل مستشفيات الضمان الصحي، وضمان انتقال الوافدين إليها بسلاسة خلال عامين وإزالة عوائق الصحة لها، وكذلك تفعيل المستشفيات الكبرى التي انتهى بناؤها منذ سنوات، مثل مستشفى الصباح ومستشفى الحميات والعدان وغيرها والشاهدة على اضطراب التخطيط في الإدارة.

التخطيط الناجح يتطلب إشراك جميع شرائح المجتمع في عملية صنع القرار، ويشمل ذلك القطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، والأكاديميين. إشراك هذه الأطراف لا يعزز فقط توافق الخطط مع احتياجات المواطنين، بل يرفع أيضاً احتمالية نجاحها على أرض الواقع. ومع ذلك، فإن أمثلة مثل عدم تمكن اتحاد أصحاب المهن الطبية من لقاء الإدارة الصحية لمدة تزيد على عامين، لطرح رؤيته واستراتيجيته، توضح الحاجة إلى تحسين قنوات التواصل بين الحكومة والمجتمع.

الحديث عن التخطيط لا يمكن أن يكتمل دون التطرق إلى الحوكمة الرشيدة، التي تمثل الإطار الضروري لضمان تنفيذ الخطط بكفاءة. الحوكمة الرشيدة تقوم على نظام متكامل للرقابة والتوجيه المؤسسي، يحدد المسؤوليات والحقوق، ويعزز الشفافية والعدالة والمساءلة. لتحقيق ذلك، يجب أن تكون جميع القرارات الحكومية معلنة بوضوح، مع توفير تفسيرات دقيقة لكل إجراء يتم اتخاذه، كما ينبغي نشر تقارير دورية عن أداء الوزارات والمؤسسات، وإتاحتها للجمهور، لضمان الشفافية ومحاسبة الجهات المقصرة.

الكويت اليوم أمام فرصة تاريخية لتعيين قيادات جديدة على أسس الكفاءة والخبرة، بعيداً عن المحسوبيات التي أثرت سلباً على الأداء الحكومي في الماضي. مع وجود العديد من المناصب القيادية الشاغرة في الوزارات والهيئات الحكومية، فإن هذه التعيينات تعد فرصة لتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص، وضمان وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.

كما يجب أن يشكل تعزيز مبدأ سيادة القانون أحد أهم أولويات الحوكمة الرشيدة. إن تطبيق القانون بعدالة وشفافية كما هو اليوم على الكبير قبل الصغير يضمن احترام النظام والحد من التجاوزات التي قد تعرقل تنفيذ الإصلاحات.

شعار المرحلة الحالية يجب أن يكون «المتابعة بمؤشرات الأداء». هذا الشعار يعكس التزام الحكومة بتقييم أداء مؤسساتها بشكل مستمر، ومحاسبة المسؤولين بناءً على نتائج ملموسة. لتحقيق هذا الهدف، يجب إطلاق منصة إلكترونية شاملة، تُعرض من خلالها جميع المشاريع الحكومية ومراحل تنفيذها، مع ربط هذه المشاريع بمؤشرات أداء واضحة.

إلى جانب ذلك، يجب أن تكون الحكومة أكثر حضوراً في وسائل الإعلام. الإعلام ليس فقط وسيلة للإعلان عن افتتاح قسم بهذا المستشفى أو ورشة هناك، بل يجب التركيز على القضايا التي تهم المواطن، مثل مشروع بدائل عافية لكبار السن والتأمين الشامل للكويتيين الذي تتم مناقشته، وتقليل مواعيد الانتظار في العيادات، والأشعات، والفحوصات والمستشفيات.

رؤية مستقبلية

إن تحقيق رؤية الكويت الجديدة يتطلب التزاماً جاداً بوضع التخطيط والحوكمة الرشيدة ومؤشرات الأداء في صلب استراتيجيتها. إن إيجاد منصة إلكترونية تُعرض فيها جميع المشاريع الحكومية ومراحل تنفيذها، بالإضافة إلى مؤشرات الأداء المرتبطة بكل مشروع، أمر في غاية الأهمية.

التخطيط والحوكمة الرشيدة هما جناحا التغيير والإصلاح. إننا بحاجة إلى بناء دولة قوية تعتمد على الكفاءة، وتحترم سيادة القانون، وتسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة.

*وزير الصحة الأسبق

back to top