ائتلاف ترامب مهدد بالصراع بين تقليديي «ماغا» وأقطاب التكنولوجيا

ميلوني تزور الرئيس الأميركي المنتخب قبل استقبالها بايدن في روما

نشر في 06-01-2025
آخر تحديث 05-01-2025 | 19:40
ترامب مستقبلاً ميلوني في بالم بيتش أمس الأول (رويترز)
ترامب مستقبلاً ميلوني في بالم بيتش أمس الأول (رويترز)
كشفت التأشيرات الممنوحة للأجانب في أعياد الميلاد عن خلاف عميق بين قاعدة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، التي يستمد منها سلطته الحقيقية، وحلفائه أقطاب صناعة التكنولوجيا، الذين لعبت أموالهم دوراً رئيسياً في عودته إلى البيت الأبيض، في تطور يهدد تماسك ائتلافه الهش.

يواجه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب صراعاً مفتوحاً في صفوف أنصاره بين أقطاب شركات التكنولوجيا وقاعدته الشعبية المعارضة بشدة للهجرة، يهدد بنسف ائتلافه الهش حتى قبل عودته رسمياً إلى البيت الأبيض.

واندلع الخلاف حول مسألة التأشيرات الممنوحة للعمال الأجانب ذوي المهارات في فترة عيد الميلاد على مواقع التواصل الاجتماعي، مخرجاً إلى العلن الخلافات العميقة بين أقطاب شركات التكنولوجيا من أثرياء «سيليكون فالي» الذين أنفقوا أموالاً طائلة لحمل ترامب إلى البيت الأبيض، وقاعدته الصلبة من أنصار شعاره «لنجعل أميركا عظيمة من جديد» أو ما يعرف اختصاراً بـ«ماغا»، والتي تعارض أي شكل من الهجرة.

وقال فلافيو هيكل، أستاذ العلوم السياسية في معهد واشنطن، «أعتقد أن الحرب الكلامية الأخيرة بين ماغا التقليدية وماغا التكنولوجية شكلت جولة أولى أطلقت المعركة الطويلة الأمد حول مستقبل الحركة».

ويتصدر إيلون ماسك، أكبر أثرياء العالم، معسكر سيليكون فالي، وقد أنفق ما لا يقل عن 250 مليون دولار على حملة ترامب الذي كافأه بتعيينه على رأس لجنة مكلفة الحد من الإنفاق العام، إلى جانب ملياردير آخر هو فيفيك راماسوامي.

وأيد صاحب شبكة «إكس» الرئيس التنفيذي لشركتي تسلا وسبايس إكس، وهو مولود في جنوب إفريقيا وحاصل على الجنسية الأميركية، برنامج تأشيرات «إتش 1 - بي»، الذي يسمح لشركات التكنولوجيا بتوظيف أجانب ذوي مهارات، معتبراً أن «استقدام أفضل 0.1% من المهارات في مجال الهندسة عن طريق الهجرة القانونية أمر أساسي»، ما جعله عرضة لهجمات قاعدة ترامب الشعبية.

ووُصف ماسك وراماسوامي وهيكل وأقطاب شركات تكنولوجيا آخرين أوكل إليهم ترامب أدواراً استشارية، بأنهم «ليبرتاريون (متحررون) عقائدياً» من أنصار الحريات الفردية، يعارضون تدخل الدولة ويؤيدون أولويات محافظة تقليدية مثل ضبط العجز في الميزانية العامة والهجرة القانونية.

وتابع الأستاذ الجامعي أن أنصار «ماغا» التقليديين في المقابل «لا يكترثون على ما يبدو للميزانية» ويرون في عداء ترامب للهجرة ورفعه شعار أميركا أولاً «السمة الأكثر جاذبية في ترشحه».

ماسك والمحافظون

وفي أول خلاف داخلي يخرج إلى العلن منذ انتخابات نوفمبر، وصف ماسك منتقديه المحافظين بـ«بلهاء جديرين بالازدراء» ينبغي استئصالهم، واعداً بـ«خوض حرب» حول مسألة التأشيرات، ما أثار رداً شديداً من المعسكر المقابل.

وتوعد ستيف بانون، مستشار ترامب السابق للشؤون الاستراتيجية في البيت الأبيض والنجم الإعلامي في أوساط «ماغا»، عبر مدونته الصوتية، بـ«اقتلاع وجه» ماسك، داعياً قطب التكنولوجيا إلى «عدم اعتلاء المنبر في أول أسبوع لك هنا وإصدار عظات للناس».

ورأى بانون، المؤيد لخط متشدد في مجال الهجرة، أن أنصار ترامب الأثرياء لم يفهموا يوماً ما يجذب ناخبي الطبقات الشعبية إلى ترامب، داعياً ماسك وغيره من المحافظين «الحديثي العهد» إلى «التريث ودرس» مواقف قاعدة «ماغا» التقليدية بشأن حصر الوظائف الأميركية بالأميركيين، كما اتهم شركات سيليكون فالي بـ«تدمير الطبقة الوسطة»، وطالبها بـ«تعويضات».

غير أن ترامب اختار معسكره في هذه المعركة، مؤيداً شركات التكنولوجيا ومدافعاً عن تأشيرات إتش 1 - بي، ما فاجأ بعض أنصاره وأثار انتقادات من معتدلين مثل السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي.

وأشاد أستاذ جامعة بينغهامبتون دونالد نيمان بقدرة ترامب على جمع ائتلاف أوسع من قاعدته الماضية، ولو أن ذلك قد يثير المزيد من الخلافات. وقال إن ترامب «يدرك أن عليه تحقيق نتائج في مجال الاقتصاد، وهي المسألة التي أوصلته إلى البيت الأبيض، وبالتالي فإن الطعن بقطاع التكنولوجيا سيكون سياسة خاطئة».

سعي أوروبا لتعزيز العلاقات

وقد تكون حركة ماغا تبدّلت تركيبتها بصورة دائمة مع تدفق الأموال من سيليكون فالي، وقد يختار ترامب تجاهل الشريحة الأكثر يمينية في المسائل الشائكة، وهو ما أظهر فيما مضى براغماتية ايديولوجية.

لكن البعض يرى أن هذا الشقاق الذي ظهر بين شريحتي قاعدة ترامب قد لا ينتهي لمصلحة ماسك، لأن ترامب على يقين بأن سلطته الحقيقية لطالما استمدها من دعم الطبقات الشعبية.

ووسط مساعي زعماء أوروبا إلى تعزيز العلاقات قبل تنصيبه في 20 يناير، التقت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، خلال زيارة غير معلنة مسبقاً للولايات المتحدة، ترامب في منتجعه مارالاغو في ولاية فلوريدا.

وقال ترامب، عند استقباله ميلوني وإلى جانبهما شجرة مزيّنة لعيد الميلاد، «هذا مثير جداً للاهتمام. أنا هنا مع امرأة مذهلة رئيسة وزراء إيطاليا لقد حققت نجاحاً مذهلاً في أوروبا بالفعل».

وجاء لقاء ترامب بزعيمة حزب «فراتيلي ديتاليا» اليميني المتطرف، قبل زيارة لأربعة أيام يقوم بها الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن لروما، يلتقي خلالها ميلوني والبابا فرنسيس.

ولم تُنشر تفاصيل الاجتماع، لكن تقارير أشارت إلى أن ميلوني تحدثت مع ترامب عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وقضايا التجارة والشرق الأوسط وأزمة الصحافية الإيطالية تشتشيليا سالا، التي اعتقلتها إيران في 19 ديسمبر، بعد ثلاثة أيام من توقيف رجل الأعمال الإيراني محمد عابديني في ميلانو، بناء على مذكرة أميركية بتهمة توريد أجزاء طائرات مسيرة استخدمت في هجوم قتل فيه 3 عسكريين أميركيين بالأردن في يناير 2023.


وزراء دفاع بريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة خلال اجتماع «أوكوس» في لندن (أ ف ب) وزراء دفاع بريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة خلال اجتماع «أوكوس» في لندن (أ ف ب)

«انعزالية» ترامب قد تُدخل تحالف «أوكوس» في حالة ركود

دخلت اتفاقية التعاون العسكري «أوكوس» التي وقعتها الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا قبل ثلاث سنوات «في حالة من الركود»، وفق ما وصفت صحيفة ليبراسيون الفرنسية، مشيرة إلى أن عودة دونالد ترامب إلى السلطة تهدد بجعل «أوكوس» أداة لفرض هيمنة أميركية على القارة الجزيرة.

وبعد أن تخلت عن عقد شراء غواصات فرنسية، في خطوة اعتبرتها باريس «طعنة في الظهر»، وقعت أستراليا في سبتمبر 2021 تحالفاً عسكرياً مع واشنطن ولندن يتضمن شراء ما لا يقل عن 8 غواصات أميركية تعمل بالطاقة النووية بقيمة 226 مليار دولار، لكن خبراء حذروا من أن عودة ترامب تلقي بشكوك حول متابعة هذه الاتفاقية، خصوصاً أنه يتبنى سياسة انعزالية ويصر على خدمة أولويات بلاده تحت مظلة «أميركا أولاً». في هذا الصدد، قال الصحافي والكاتب آندرو فاولر، مؤلف كتاب «نوكيد: فشل الغواصات الذي أغرق سيادة أستراليا»، إنه «من بين 66 غواصة يحتاجها الأميركيون، لديهم 49 فقط»، مشيراً إلى أن رئيس المشتريات في البحرية الأميركية، نيكولاس غيرتين، أبلغ الكونغرس في أكتوبر الماضي أن الولايات المتحدة تنتج غواصة واحدة في السنة، داعياً إلى «مضاعفة معدل إنتاجنا السنوي للوفاء بالتزاماتنا تجاه شركائنا في أوكوس».

من جهتها، قالت الباحثة في السياسة الخارجية والدفاع بمركز الدراسات الأميركية في جامعة سيدني، أليس ناسون إنه «في مشروع بحجم أوكوس ومدته وتعقيده، ليس هناك ما يثير الدهشة في ظهور صعوبات وتأخير»، لكنها أقرت بأنه حتى لو وصلت الغواصات، فإن تأخيرها من شأنه أن يخلق فجوة لعدة سنوات في قدرات الدفاع الأسترالية، حيث ستصبح غواصاتها من فئة «كولينز» قديمة الطراز قبل وصول الغواصات الجديدة.

وأشار المؤرخ العسكري رومان فتحي، من جانبه، إلى «مصدر قلق آخر: من سيشغلها؟»، موضحاً أن «تدريب المتخصصين يستغرق سنوات، وينبغي على أستراليا أن تضع جهودها بالفعل في الجامعات... لكن هذا ليس ما ألاحظه»، متوقعاً أن «يكون طاقم هذه الغواصات، التي يدفع ثمنها دافعو الضرائب الأستراليون، أميركيا بنسبة 90 في المئة. إنه تخلٍّ عن السيادة». أما المؤرخة ومديرة برنامج الشؤون الدولية والأمن في معهد أستراليا، إيما شورتيس فحذرت من عودة ترامب «الذي لا يمكن التنبؤ بقراراته»، مضيفة أنه «انعزالي ومناهض للحرب، لكنه قام للتو بتعيين ماركو روبيو ومايك والتز، وهما من الصقور المعروفين بمواقفهما المناهضة للصين، إلى جانب خطته لزيادة عدد العسكريين بمقدار 50 ألف رجل في عام 2025. إن ترامب لا يقدم مزيداً من الحماية، بل يقدم عالماً أكثر خطورة».

وأوضحت شورتيس أنه في حالة نشوب صراع حول تايوان ستكون الغواصات التي حصلت عليها أستراليا تحت تصرف الولايات المتحدة، مضيفة أن الأستراليين لا يريدون قاعدة بحرية أميركية في بيرث، ومزيداً من مشاة البحرية، ومزيداً من الجواسيس، وغواصات لا يستطيعون بناءها وصيانتها وتشغيلها بمفردهم.

وكان السيناتور الأسترالي ديفيد شوبريدج واحداً من القلائل الذين تحدثوا ضدّ «أوكوس»، بالإضافة إلى رئيسي الوزراء السابقين مالكولم تورنبول وبول كيتنغ. ودان شوبريدج «الفوضى» و«حملة التخويف التي تركز على التهديد الصيني» التي يعتمدها ترامب من دون تقديم أي دليل.

غير أن أليس ناسون أكدت أنه «مهما كانت النتائج، فمن شبه المؤكد أن أوكوس ستستمر»، متوقعة أنه «حتى مع إعادة تفاوض مع ترامب، فإن أوكوس لديها فرصة جيدة للاستمرار مع العودة المحتملة للحزب الليبرالي للحكم بأستراليا في عام 2025». وتنص اتفاقية «أوكوس» على تناوب الغواصات الأميركية والبريطانية اعتبارا من عام 2027 من بيرث الأسترالية، ثم شراء ثلاث غواصات أميركية من طراز فيرجينيا اعتبارا من عام 2032، وبناء خمس غواصات جديدة بالتعاون مع البريطانيين بحلول 2040. ومع ذلك، تخلفت الولايات المتحدة على هذا الإنتاج، حيث تعمل، بحسب رئيس المشتريات في البحرية الأميركية، نيكولاس غيرتين، بمعدل انتاج غواصة واحدة في السنة.

back to top