الديموقراطيون ومكاسبهم الديموقراطية
كانت انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة والتي جرت الشهر الماضي مفاجئة على أكثر من نحو، فلم يسفر أداء الديموقراطيين الذي كان قوياً بدرجة غير متوقعة عن تحول التضاريس السياسية خلال العامين المقبلين فحسب، بل كشف أيضاً عن حقيقة مفادها أن عددا كبيرا من الناخبين عبر الخطوط الحزبية، وكثير منهم من الشباب، قلقون بشدة بشأن مصير الديموقراطية الأميركية، ولكن لم يعرض أحد على هؤلاء الناخبين أجندة جديرة بالثقة لتحسين وتعزيز قوة حكم الذات. كان الدعم الشعبي لجهود الدفاع عن الأعراف الديموقراطية واضحاً بالفعل في استطلاعات الرأي قبل الانتخابات، ففي استطلاع أجرته مؤسسة بيو للأبحاث قبل أسبوع من التصويت، اعتبر 70% من المستجيبين «مستقبل الديموقراطية في الولايات المتحدة» شاغلاً «بالغ الأهمية» مقارنة بنحو 79% اعتبروا الاقتصاد مصدر قلق كبير، وعلى نحو مماثل، وجد استطلاع الخروج عند مراكز الاقتراع والذي أجرته شبكة NBC أن 68% من الناخبين وصفوا الديموقراطية الأميركية بأنها «مهددة» على العكس من «آمنة». حتى أن بعض الجمهوريين أعطوا الأولوية للديموقراطية قبل السلطة السياسية، وأظهر بحث حديث أجراه مختبر أبحاث الاستقطاب وهو مشروع مشترك بين كلية دارتموث وجامعة بنسلفانيا وجامعة ستانفورد أن تجاهل المعايير الديموقراطية داخل الحزب الجمهوري يقتصر على فصيل «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» بقيادة دونالد ترامب، ليس من المستغرب إذاً أن يفشل إعلان حملة إعادة انتخاب ترامب في إثارة حماس الجمهوريين، وحتى فوكس نيوز غطت جزءا فقط من الحملة، في حين كانت صحيفة نيويورك بوست المحافِظة فاترة الهمة عندما وضعت على غلافها العنوان التالي: «رجل فلوريدا يلقي بتصريح»، ثم دفنت القصة في الصفحة 26. ينتشر القلق بشأن الديموقراطية الأميركية بشكل خاص بين الفئات الأصغر سنا، فقد وجد استطلاع خروج أجرته كلية كينيدي في جامعة هارفارد أن الاقتصاد وحقوق الإجهاض فقط سبقت في الأهمية «حماية الديموقراطية» بين الناخبين من سن 18 إلى 29 عاما. كان هؤلاء الناخبون أساسيين في الأرجح في الانتصارات التي حققها الديموقراطيون في مجلس الشيوخ في جورجيا، وأريزونا، وبنسلفانيا، فضلا عن فوز الحاكم في ولاية وسكنسن، اللافت للنظر أن 5% فقط من الشباب وصفوا الديموقراطية الأميركية بأنها «سليمة معافاة».
الواقع أن الحماسة الديموقراطية التي أبداها الأميركيون الشباب فاجأت بعض المراقبين، وأشارت دراسة مؤثرة من عام 2017 أجراها ياشا مونك وروبرتو فوا أن دعم الديموقراطية كان في انحسار بين الشباب في مختلف أنحاء العالم، تُرى هل من الممكن أن تسفر خمس سنوات من مراقبة الديموقراطيات تحت الضغط عن جعل الناخبين الشباب أكثر انتباها إلى المخاطر؟
أيا كانت الأسباب وراء مكاسب الديموقراطية في انتخابات التجديد النصفي، فلا يبدو أن الاستفادة منها تمثل أولوية قصوى، وقبل الانتخابات، أكد الرئيس جو بايدن على أهمية «مناصرة» الديموقراطية، كان خطاباً حماسياً لائقاً، لكنه لم يقدم أجندة واضحة للتخفيف من مخاطر تراجع الديموقراطية. في ديسمبر 2021، أصدرت إدارة بايدن صحيفة وقائع روجت لمجموعة من السياسات لحماية الديموقراطية الأميركية، ومن المؤكد أن بعض التدابير من زيادة القدرة على الوصول إلى إنترنت النطاق العريض إلى «تذكير المدارس» بالتزامها بتدريس التربية المدنية من شأنها أن تساعد في حماية المعايير الديموقراطية في الأمد البعيد، لكن الانطباع العام الذي خلفته القائمة التي قدمتها الإدارة يجعل المرء يتصور أن متدربا مثقلا بالعمل في البيت الأبيض سرق قائمة مهام صادرة عن أحد مراكز الفِكر المُناصِرة للديموقراطية.
لكن التهديد أعظم من أن نكتفي ببذل القليل من الجهد في مواجهته، فعلى الرغم من هزيمة العديد من أنصار كذبة ترامب الكبرى (بأن انتخابات 2020 «سُرِقَت») في انتخابات التجديد النصفي واستبعادهم من مناصب الدولة حيث كان بوسعهم أن يحدثوا أكبر قدر من الضرر، فإن الديموقراطية الأميركية لا تزال في خطر، فبسبب فوز عدد كبير من منكري الانتخابات في انتخابات على مستوى الولايات والمستوى الفدرالي وبقائهم في الكونغرس، لا يوجد سبب يحملنا على الاعتقاد بأن خطر العنف السياسي تضاءل، ولا يمكننا أن نثق في أن الخاسرين في الانتخابات لن يحاولوا استخدام المحاكم الفدرالية لقلب الانتخابات لمصلحتهم، كما فعل ترامب في عام 2020.
مع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالجهود التشريعية الملموسة، فإن دعاة الكذبة الكبرى هم الذين كانوا الأكثر نشاطاً، واستغلوا باستهزاء إن لم يخترعوا المخاوف بشأن نزاهة الانتخابات للدفع بقوانين جديدة لقمع الناخبين في 19 ولاية، وفي انحراف واضح، نجد أن الإصلاحات القانونية الأكثر فعالية التي يجري تنفيذها باسم حماية الديموقراطية اليوم تسعى بنشاط إلى تقويضها.
نظراً لتطور القوى المناهضة للديموقراطية في الداخل والخارج، يتعين على إدارة بايدن أن تتحرك، من جانب واحد ومن خلال الكونغرس، لتعزيز المؤسسات الديموقراطية، ليست المشكلة نقص الأفكار، فقد اقترحت منظمات عديدة وباحثون من مختلف ألوان الطيف السياسي عشرات من تدابير الإصلاح، لكن نافذة الفرصة للتحرك ستضيق مع اشتداد سخونة دورة انتخابات 2024.
حتى بدون سيطرة الديموقراطيين على مجلس النواب، تستطيع إدارة بايدن استخدام الأوامر التنفيذية لتعزيز الحكم الديموقراطي، ويمكنها أن تعزز القواعد استعداد لتواصل البيت الأبيض مع إدارة الإيرادات الداخلية بشأن التحقيقات المعلقة أو المحتملة، بناء على القواعد التي أصدرها المدعي العام ميريك غارلاند بالفعل لوزارة العدل في يوليو 2021، وبوسعها أيضا أن تدعم وضع مفتشي العموم داخل الدولة الإدارية، وينبغي لها أيضا أن تقدم ضوابط تنظيمية جديدة لحماية استقلالية المدعين الخصوصيين الذين يحققون في تضارب المصالح المحتمل في وزارة العدل.
من الأهمية بمكان منع تكرار الجهود الحزبية التي بذلها المدعي العام السابق ويليام بار لدفن تقرير المستشار الخاص روبرت مولر حول التدخل الروسي في انتخابات 2016 الرئاسية، الواقع أن سلوك بار أثناء المراحل الأخيرة من التحقيق، من ملاحظاته الختامية الصادرة مبكرا قبل إصدار التقرير إلى التنقيح المفرط في النسخة العامة، جلب عليه التوبيخ من قِبَل قاض فدرالي. من الممكن أن يستخدم الديموقراطيون أيضا الموسم الذي سيكون فيه الكونغرس عاجزا عن اتخاذ قرارات لإصلاح قانون فرز الأصوات الانتخابية لعام 1887، بما يتفق مع مشروع قانون حديث تقدمت به السيناتورة سوزان كولينز الجمهورية، وفي الوقت ذاته، ينبغي لهم أن يعكفوا على إعداد تشريع موجه لمعالجة القضية التي نوقشت أمام المحكمة العليا في وقت سابق من هذا الشهر والتي قد تؤدي إلى زعزعة استقرار الانتخابات الفدرالية الأميركية بشدة.
تتعلق قضية مور ضد هاربر، بنظرية كانت من قبل هامشية مفادها أن الدستور يمنح «المجالس التشريعية المستقلة في الولايات» السلطة الكلية لإدارة الانتخابات الفدرالية، فإذا أصدرت المحكمة حكما لمصلحة هذا النهج، فسيصبح بمقدور الهيئات التشريعية تجاهل دساتير الولايات وقوانين الدوائر وربما تتجاوز التصويت الشعبي، ويتعين على الكونغرس أن يستخدم سلطته الواسعة بموجب المادة الأول من الدستور لضمان سلامة ونزاهة الانتخابات، ويجب أيضا استغلال مشروع قانون حقوق التصويت المعطل الذي تقدم به الديموقراطيون في عام 2019 (المعروف أيضاً باسم «قانون من أجل الشعب»)، بحثاً عن البنود التي لا يزال من الممكن أن تحظى بدعم الحزبين.
لقد شقت بلدان أخرى عديدة طريقها عائدة من الانحطاط الديموقراطي، وقد أظهرت انتخابات التجديد النصفي الأميركية أن معظم الأميركيين يفضلون تعزيز قوة المؤسسات المدنية، لكن الديموقراطيين والجمهوريين من ذوي العقلية الديموقراطية يتعين عليهم أن يتحركوا الآن، وفي ضوء الشعبية المثبتة التي تحظى بها مثل هذه التدابير، لا يملك المرء إلا أن يتساءل: ماذا تنتظر إدارة بايدن؟
*عزيز حق أستاذ القانون في جامعة شيكاغو، ومؤلف كتاب «انهيار العلاجات الدستورية»، وتوم غينسبيرغ أستاذ القانون الدولي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، وأستاذ الأبحاث في نقابة المحامين الأميركية.