العهد الجديد والتجربة والخطأ
استبشر الناس كثيراً منذ أشرقت شمس العهد الجديد في بلادنا، وقد سطعت بنورها وضيائها، فأضحت وجوه الكويتيين مسفرة صبوحة، لما بعثته في النفوس من تفاؤل.
وبعد مضي شهرين على تشكيل الحكومة، بدأ الناس يتساءلون: هل فعلاً بات ظهر الحكومة مكشوفاً بسبب عدم حمايته من القيادة السياسية؟ وبدأت ممارسات جس النبض والمزايدة والابتزاز البرلمانية تباغتها وتربك مسيرتها عن قصد وبدونه، بعد أن شعر النواب بأنها مكشوفة الظهر!
والسؤال هنا: هل عدنا للمربع الأول الذي كان سائداً في وضع الحكومات خلال الثلاثين عاماً الماضية، من خلال تجاذبات التجربة والخطأ؟!
ليس مقبولاً بعد عقود من التجريب السياسي، والوقوف ثم التعثر الذي مرت به الدولة بسلطاتها الثلاث، أن تستمر حالة التجريب، ونعيش القلق والحيرة طوال الوقت!
إن العهد الجديد أمامه تحديات ومسؤوليات فيصلية، فالدعم والمساندة للحكومة أمر حتمي لتماسكها وصلابتها وقدرتها على مواجهة مجلس الأمة، بانحرافاته السياسية المكررة، فلابد أن يشعر الجميع بأن الحكومة تحظى بدعم مباشر وثقة وحماية السلطة، فالناس يتهامسون بل ويتناقشون كلما لاح في الأفق حدث أو معلومات تفيد بأن الحكومة تم التخلي عنها وتترك وحدها منفردة في مكابدة سياسية في ظل برلمان يتوق إلى المزايدة والتكسبات السياسية بل حتى إلى الابتزاز السياسي.
ونقف اليوم على مفترق طرق سياسي، فالنواب قد مضوا في مسار التسابق النيابي بصورة لافتة مرة أخرى، فتلاحقت الأسئلة البرلمانية حتى تجاوزت ألف سؤال في شهرين، وشكل العديد من لجان التحقيق البرلمانية، لم تكن كلها بموجبات مقنعة، وتقاطرت الاقتراحات بقوانين بصورة غير منطقية، وبتشتُّت وتسابق لتحقيق مكاسب انتخابية، ثم فرط عقد الاقترحات الشعبوية على شكل عطاءات وهبات وزيادات مالية تنطوي على مخالفات جسيمة للدستور.
وقد تناسى الأعضاء وأغفلوا، في خضم ذلك السباق ومساراته، تحولات وإصلاحات سياسية مهمة أجرتها القيادة السياسية وتابعتها الحكومة في ذلك، بدأت بخطاب سمو ولي العهد في 22/ 6/ 2022، وتم تنفيذها بتعديلات جراحية انتقالية لقانون الانتخاب وتطهير القيود الانتخابية، وتلتها ملاحقة صارمة لظاهرة شراء الأصوات وأكملتها حملة منع الفرعيات، وكان حل مجلس الأمة 2020 على رأسها، وتم اختيار رئيس وزراء له قبول شعبي لعدم وجود مآخذ مالية أو سياسية عليه، وكانت وثيقة العهد الجديد بخطاب افتتاح مجلس الأمة تتويجاً لكل الجهود، وانعكست آثاره بخطوة للعفو الكريم، ولبرنامج حكومة غير مسبوق بجدول زمني لقضاياه المحددة، قدم في توقيت مقبول.
وهو ما يستوجب علينا أن نحذر من العودة إلى دوامة التجربة والخطأ في الممارسة البرلمانية، ومحاولات نيابية للتكسب على حساب الحكومة وإيذاء الدولة والمواطنين نتيجة لذلك.
ولا يصح أن نترك الدولة ومؤسساتها من جديد عرضة للتجاذب السياسي المقيت أو للتجربة والخطأ، وثقتنا كبيرة بأن القيادة السياسية ستمنح الحكومة الدعم والمساحة التي تمكنها من الإمساك بزمام الأمور، حتى لا تكون في مهب التقلبات النيابية أو الابتزاز السياسي، كما نتطلع إلى أن يتصدى النواب الحريصون على عدم عودة المجلس لتكرار ممارسات التجريب والخطأ وما قد ينجم عن ذلك من أزمات سياسية تعصف بالبلد لا سمح الله، أو تلحق ضرراً بديموقراطيتنا.