المصداقية بين التضليل... والتهويل
مثل العديد من الموضوعات، ما إن يتم الحوار والنقاش بشأنها منطقياً بأدلة وحجج، وبسياقه الطبيعي وإردافه بمعلومات وبيانات حقيقية! حتى تُفاجأ بالرد: لم نكن نعلم هذه التفاصيل، ولا كنا نعلم الحقيقة!
فقد عانى البلد وعانينا معه، ولا نزال، ممارسات التضليل والتهويل والمبالغة التي يمارسها بعض السياسيين والإعلاميين - عن قصد أو دون قصد - لتهييج الرأي العام وتجييشه في مواجهة قضية معيّنة لأغراض التكسب أو الشهرة، أو ربما لحاجة في نفوسهم!
لكنهم - ونحن لنا الظاهر - في حقيقة الأمر هم مُضلِّلون، وربما بقصد التهويل لحاجة في أنفسهم لأغراض مريبة بعيداً عن المصلحة العامة!
ورأينا هذه الممارسات في العديد من الموضوعات، مثل «تأمين عافية»، الذي انحرف بسبب ممارساتهم تلك، فأُلغي برُمّته - بعد أن خرج عن أغراضه - وتضرر الجميع، وموضوع «دعم العمالة»، الذي صار بوابة للتنفيع والتحايل على القانون.
وموضوع «الإعاقة»، الذي - بسبب السلوكيات المضللة من هؤلاء السياسيين - صار لدينا جيش كامل منهم لا تنطبق عليه «الإعاقة»!
ووصل الأمر إلى إدارة العلاج بالخارج التي تعاني الأمرّين! والشهادات المزورة التي شوّهت التعليم لكويت الخمسينيات وحتى الثمانينيات الجميلة، وبلغت أهوالها مبلغاً لا يُعلم منتهاه!
والأمر يتكرر بموضوع «الجنسية» وملفاتها المتخمة بالتجاوزات والخروقات والاستثناءات والتزوير والازدواج!
***
كلّمني صديق بشأن ملف تزوير للجنسية! وكان نقاشه بأنّ المزور هو الجد! فما ذنب الأب والحفيد حتى تُسحب جنسيتهما؟! فكان ردّي: وما ذنب الكويت والكويتيين أن يتحملوا عائلة أدخلها ربُّها من بوابة التزوير؟! فهم تبعٌ له، ويتحمل هو وزرهم نتيجة أفعاله!
ودار نقاش بشأن «المزدوج»، فقيل إن الدولة تعلم أنه «مزدوج»، فلماذا سكتت طوال تلك الفترة؟! وكأن السكوت أو عدم اتخاذ الإجراءات سبب لقبول وضعه وعدم تصحيحه! رغم أن التزوير والازدواج جريمة مستمرة تصح ملاحقتها في كل وقت!
وأنا على يقين أن من يقول اليوم: لماذا يتم سحب الجنسية من زوجات الكويتيين؟ ولماذا لم يُلاحق «المزوّر» و«المزدوج»، لا يحيط بالموضوع بشكل كافٍ! وتداخل معه كلام آخرون لغايات سياسية ولحاجة في نفوس قائليه!
وعند توالي هذه الملفات، سيخرج علينا من يقول: لماذا الآن، والتوسع بالموضوع؟ وأين الدولة من زمان؟ وسيهوّل أصحاب الغرض بهذا الطرح المضلل والممجوج البعيد عن مصلحة الوطن، لحاجة في نفوسهم!
أما في شأن الزوجات، فأظن أن هناك تداولاً لمعلومات وبيانات مغلوطة وربما مضللة لغاية في نفوس البعض!
فهناك من يحاول تصوير حالات الزوجات بأنها نمط واحد (السليمة والمستقرة!)، والحقيقة غير ذلك، إذ منهن من حصلن عليها بمرسوم!
ومنهن من لا يشملهن قرار السحب بسبب قِدَم تواريخ زواجهن!
ومنهن المطلقات بعد فترة قصيرة لصفقة مشبوهة!
ومنهن المقيمات خارج الكويت!
ومنهن المزدوجات!
ومنهن من لم يتنازلن عن جنسياتهن الأخرى!
ومنهن من لديهن مخالفات أخرى وربما يتاجرن بالإقامات والرُّخص!
ومنهن من حصلن عليها باستثناءات عديدة! بتدخلات وتهديدات وابتزازات سياسية للنواب!
ثم يأتيك بعد ذلك مَن يخلط الأوراق ويرفع شعار المظلومية المطلقة وأنهن جميعاً عوقبن، مجافياً الحقيقة ومتجنباً فهمها! وهناك مبالغة أنهن سيصبحن (بدون)، وهو كلام يعوزه الدليل والمنطق والحُجّة، خصوصًا مع إمكانية استعادة معظمهن جنسياتهن الأصلية أو أنهن لم يتنازلن عنها أو لم يُستكمل التنازل!
وبعد المعالجة الإيجابية من الحكومة بالمرسوم بقانون 158 لسنة 2024، بتعديل المادة 16 من قانون الجنسية، والذي عالج أوضاع المستقرات منهن أسرياً بوضع حقوق وضمانات مناسبة، مع فتح التظلم لإنصاف المستحقة منهن بعدالة قد تشمل إعادة جنسياتهن!
فيصبح التهويل والضجيج والتضليل الذي يمارسه البعض - وخصوصاً السياسيين - لا محلّ له!
وأظن أن هناك من يحاول أن يوظّف موضوع الزوجات، ليس دفاعًا عنهن! لكن للدفاع المبكر عن نفسه، ليغلق موضوع تطهير ملف الجنسية حتى لا يُلاحق هو أو أقرباؤه أو من حوله من المزوّرين والمزدوجين، الذين وجدوا في موضوع الزوجات خط دفاع أول كي لا تُفتح ملفات يخشون فتحها لحاجات في نفوسهم لا نعلمها!
وقد ضاعت المصداقية في خضمّ كمّ التهويل والتضليل!