تشكل الإنترنت والتكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وبات من الصعب تخيل عالم بدونها، ومع ذلك فإن هذا العالم الرقمي يحمل معه تحديات جديدة، خاصة بالنسبة للأطفال، فالإنترنت توفر كمًا هائلاً من المعلومات والترفيه، لكنها أيضاً يمكن أن تكون بوابة لمحتوى غير مناسب، وتعرض الأطفال لمخاطر مختلفة منها التعرض لمحتوى ضار أو الإدمان على الإنترنت وأخطرها انتهاك خصوصية الطفل كنشر صوره دون موافقة ولي أمره، لذلك فإن حماية الأطفال في هذا العالم الرقمي أصبحت مسؤولية مشتركة بين الآباء والمؤسسات التعليمية والتشريعية والتنظيمية.

لن أتطرق هنا الى مسؤولية الآباء في المراقبة المستمرة واستخدام برامج الرقابة الأبوية، ولكني سأركز على مسؤولية الدولة بجناحيها التنفيذي والتشريعي.

Ad

تطرقت المذكرة الايضاحية لقانون 21 لسنة 2015 بشأن حماية الطفل الى أن «وبحكم ضعف الطفل وقلة حيلته فإن المجتمع والأسرة وكافة مؤسسات الدولة مسؤولة عن رعايته وحمايته». فالقانون احتوى الكثير من المواد التي تسهم جميعها في حماية الطفل ورعايته، فحدد بالمادة (76) الخطر الواقع على الطفل «أي شكل من أشكال الأذى الجسدي أو النفسي أو العاطفي أو الجنسي أو الإهمال أو إذا وجد في حالة تهدد سلامة التنشئة». أنا هنا لست بصدد نقاش قانوني (وأنا لست متخصصا) ولا مقارنة قانون حماية الطفل مع قوانين مماثلة بدول أخرى كما فعل عدد من القانونيين المختصين في دراسة مستفيضة بهذا الشأن نشرت في العدد الثاني 2020 من مجلة المحامي الدورية الصادرة عن جمعية المحامين الكويتية.

يهمني هنا ما يتعلق بثقافة الطفل المحدد بالباب السابع من القانون، والتي حصرت مصادر ثقافة الطفل بالمسرح والسينما والأماكن العامة وأهملت أهم مصدر وهو الإنترنت، لا نختلف أن الغالبية العظمى من أطفال الوقت الحالي يستخدمون الأجهزة اللوحية والتلفونات، ربما في سن صغيرة، للدخول على محتوى ترفيهي أو تعليمي على الإنترنت وهو بذلك يفتح بابا عريضا جدا على المحتوى الجيد وكذلك السيئ وما أكثره!

اعتبر قانون حماية الطفل بمادته (65) أن إتاحة استخدام التقنيات الحديثة من حقوق الطفل، وحدد في المادة (88) جزاء من يستخدم الإنترنت لاستغلال الأطفال بأعمال إباحية، لكنه أغفل وضع حدود استخدام التقنية الحديثة، وأهمل تحميل الوالدين مسؤولية مراقبة استخدام الطفل للتقنيات الحديثة، وكذلك مسؤولية نقل المحتوى الضار على شركات الاتصالات، ومسؤولية وضع تنظيم للمحتوى والرقابة على هيئات تنظيمية كهيئة الاتصالات ووزارة الإعلام لا سيما في ظل القصور التشريعي بقانوني الاتصالات 37/2014 والمرئي والمسموع 61/2007، وأهمل القانون إناطة مسؤولية نشر الوعي لجهة بعينها إنما تركت عائمة "سماري".

يغمرني شعور بإهمال حكومي وأهلي وعائلي لشؤون الطفل وحمايته من سلبيات التكنولوجيا، فأين مراكز حماية الطفولة التي نصت عليها المادة (77) من قانون حماية الطفل؟ وأين اللائحة التنفيذية للقانون التي ألزمت المادة (95) الحكومة باقرارها خلال 6 أشهر رغم انقضاء ما يقارب 10 سنوات على إقراره؟ وأين الجمعية الوطنية لحماية الطفل وهي جمعية نفع عام، يا ليت القارئ يزور موقعهم الإلكتروني ليجد حجم إهمال هذه الجمعية للطفل وشؤون حمايته؟ وعلى من تقع مسؤولية نشر الوعي بأهمية مراقبة استخدام الأطفال للتقنيات الحديثة؟ وهل توجد جهة حكومية وتنظيمية تفرز المحتوى الضار بالأطفال؟ وهل تتوافر آليات سهلة للإبلاغ عن أي محتوى ضار أو سلوك مشبوه موجه للأطفال؟ وهل تم تحديد مسؤوليات مزودي خدمات الإنترنت والاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي للحد من المحتوى الضار للأطفال، وغيرها الكثير من الأسئلة التي لم أجد إجابة لها، مما تشير الى عمق المشكلة؟

المشرعون في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية اتخذوا خطوات جادة بإصدار تشريعات متنوعة تعنى باستخدام الإنترنت الآمن للطفل لا مجال هنا للخوض في تفاصيلها، ونتمنى أن تتخذ حكومتنا خطوات جادة بإطلاق مساعي مراجعة القانون في ظل التطورات التكنولوجية وسهولة توافر الأجهزة اللوحية بين أيدي الأطفال، فأطفال الكويت في خطر لا يحتمل التأخير، ولا نغفل حقيقة أن المسؤولية مشتركة تقع على عاتق الحكومة والمؤسسات والآباء، وأن وضع تشريعات حازمة لحماية الأطفال على الإنترنت هو الخطوة الأولى نحو بناء عالم رقمي آمن للأطفال، ومع ذلك فإن نجاح هذه التشريعات يتطلب تضافر الجهود وتعاون جميع الأطراف المعنية.