عدت للتو من برنامج الإقامة الفنية لمؤسسة «فِكَر» في جزيرة فيلكا، حيث كنت جزءاً من هذه الإقامة الفنية مع زميلتي وصديقتي العزيزة الباحثة الأميركية (إليزابيث موور)، فقامت هي بتوثيق الجزيرة وعمل بحث أكاديمي عنها في حين عملت على تجهيز لوحات فنية عن الجزيرة بطراز حديث من فن المنمنمات كي نقوم بعمل خريطة تاريخية متكاملة عن الجزيرة، وستعرض نهاية العام بإذن الله.
و«فِكَر» مؤسسة تُعنى بإنتاج المحتوى الفني والأدبي والثقافي عن جزيرة فيلكا للمساهمة بنشر الوعي عن أهميتها وقيمتها التاريخية الثرية، وذلك عن طريق توفير المسكن والموارد اللازمة للفنانين والباحثين المشاركين، فهي من «بنات أفكار» المخرج المسرحي سليمان البسام، حيث أُنشئت عام 2015 وقامت باحتضان العديد من المبدعين منذ ذلك الحين.
وكانت مدة إقامتنا على الجزيرة أسبوعا واحدا تكللته العديد من المغامرات بين الآثار والبيوت والمباني القديمة، وحالفنا الحظ كثيراً حيث كانت رحلتنا بالتزامن مع بعثة التنقيب الفرنسية، فتعلمنا منهم الكثير، فشاهدنا عملية التنقيب وترميم القطع الأثرية بصورة مباشرة حية.
وكنا محظوظين أيضاً بوجود شركائنا في الإقامة الفنية الثنائي الفرنسي اللطيف «مانون» و«لوكاس» اللذين كانا في الجزيرة لتصوير فيلم وثائقي يحكي تاريخها، وقاما بمساعدتنا كثيراً بشتى الطرق، حيث كانا يعرفان الجزيرة جيداً بحكم إقامتهما عليها لمدة أطول، فيمكننا القول إننا اكتسبنا أصدقاءً جدداً في فترة قياسية، كذلك فقد صادفنا بعض «الفيلجاوية» الكرام الذين مدوا لنا يد العون واستقبلونا أفضل استقبال، فكانت إقامتنا ممتعة وتجربة لا تنسى.
وأكثر ما أدهشني في هذه الزيارة هو مدى حب وشغف الغرب بهذه الجزيرة وتقديرهم لتاريخها المتنوع والمديد، فرأيت سحرها من خلال أعينهم، ففيلكا كانت نقطة عبور لحقبات تاريخية عديدة بسبب موقعها الجغرافي، فمن الآثار الهلينستية إلى آثار بلاد الرافدين والدلمون والحضارات الإسلامية كالأموية والعباسية، انتهاءً بـ«آثار» التاريخ المعاصر من البيوت التي هُجرت وقت الغزو الصدامي، ووجدنا بعضها كما هو منذ لحظة ترك سكان فيلكا منازلهم قسراً، فكان مشهداً مؤسفاً مليئاً بالذكريات الأليمة.
أحزنني إهمالنا لـ«فيلكا» وهي كنزٌ ثمين يأتيه الباحثون والمهتمون من أبعد بقاع الأرض، وأشعر بالقلق من مستقبل الجزيرة المجهول، فهل سيتم طمس معالمها التاريخية تحت ذريعة تحويلها إلى منطقة سياحية؟ أم هل ستستمر كونها جزيرة مهملة تتآكل شيئاً فشيئاً على مر السنين؟
أرى أن التوجه الأمثل هو ما يسمى بـ«السياحة الثقافية»، حيث يتم الحفاظ على معالمها التاريخية وصيانة مرافقها كي يستمتع بها الزوار، ومن المهم أيضاً ترميم بيوتها، فهي شاهد على عمارة الكويت السكنية في السبعينيات والثمانينيات، وبالإمكان جعل بعضها متاحف تاريخية ومعارض فنية، وفنادق مصغرة للسائحين كما يقوم به بعض الناس الآن، وكم أتمنى إعادة إحياء الجزيرة بمدارسها ومرافقها العمومية وتوفير مختلف الخدمات على أرضها شيئاً فشيئاً، بل ربما ترميم هذه البيوت ذات الطراز الجميل وعرضها للبيع بأسعار رمزية، فالعديد منا يفضل حياة الهدوء والسكينة، كذلك أرى أننا يجب أن نكون حذرين جداً عند بناء منشآت جديدة فيها، والأحرى صيانة وإعادة توظيف مبانيها القائمة للحفاظ على هويتها الأصيلة التي سحرت الكثيرين.