وسط مساعٍ لإقناع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بتسهيل حصول الحلفاء الأوروبيين على أنظمة الأسلحة، رأى بعض المحللين والمستشارين أن تصريحاته المتتابعة وغير المسبوقة تمثل افتتاحية لمفاوضات حادة أكثر من كونها بيانات سياسية، معتبرين أن مطالبته أعضاء حلف الناتو بتقديم تنازلات جديدة تتضمن التنازل عن أراضٍ وزيادة الإنفاق العسكري إلى مستويات أعلى مما تنفقه واشنطن نفسها من شأنها زعزعة الثقة بين الحلفاء، وتشجيع الخصوم.
ولم يسبق لرئيس أميركي أن ناقش علناً استخدام القوة العسكرية أو وسائل الإكراه الأخرى للاستيلاء على أراضي دول حليفة، أو أن يطالب بمستويات عالية جداً من الإنفاق العسكري، لكن ترامب أثار في مؤتمر صحافي، الثلاثاء، احتمال الاستيلاء بالقوة على كندا وغرينلاند، التي تعد جزءاً من الدنمارك، وهما عضوان مؤسسان في حلف الناتو، والولايات المتحدة ملزمة بمعاهدات لحمايتهما.
كما قال ترامب إن على حلفاء الناتو رفع هدف الإنفاق العسكري إلى حوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بالهدف الحالي البالغ 2% على الأقل. في العام الماضي، أنفقت الولايات المتحدة حوالي 3.4% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، وهو مستوى مستقر في السنوات الأخيرة وفقاً للناتو.
عدم يقين
وتأتي الضغوط الجديدة من ترامب وسط حالة من عدم اليقين العميق بشأن نهجه تجاه حرب أوكرانيا، التي حافظت إدارة الرئيس بايدن، وأعضاء الناتو على وحدة كبيرة لطرد القوات الروسية، لكن ترامب ظل غامضاً بشأن موقفه من أكبر صراع تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، واعداً بإنهائه دون تقديم تفاصيل.
وإلى جانب زيادة الإنفاق في الناتو، يعد الاستحواذ على غرينلاند هدفاً أثاره ترامب خلال ولايته الأولى. وردت الدنمارك في ذلك الوقت، ومؤخراً، بأن غرينلاند ليست للبيع.
وأشار منتقدو ترامب إلى أن تصريحاته تتعارض مع المبادئ الأساسية للنظام العالمي الحديث، مما قد يشجع القادة المستبدين على غزو وترهيب جيرانهم.
وتسببت تهديدات ترامب بالانسحاب من الناتو في 2023 في إصدار الكونغرس تشريعاً يمنع الرئيس من الانسحاب من التحالف دون موافقة مجلس الشيوخ أو تشريع خاص.
ومن شأن نهج ترامب التصادمي مع الحلفاء أن يُضعف الناتو وقدرته على الردع، حتى دون انسحاب رسمي منه. وإذا سحب الدعم الأميركي فسيحتاج الأوروبيون إلى إنفاق مئات المليارات لتعويض الإنفاق المنخفض على مدار العقود الأخيرة.
صعوبة الإنفاق
وزيادة الإنفاق بشكل كبير أمر صعب، لأن الدول الأوروبية تواجه ضغوطاً شديدة بسبب اقتصاداتها الضعيفة بشكل عام، ولأن منتجي الأسلحة يعانون بالفعل من صعوبة تسليم المعدات التي تم طلبها. واشتكى المسؤولون العسكريون في الناتو من أن الجمع بين التباطؤ في زيادة الإمدادات والارتفاع السريع في الطلب يؤدي إلى زيادة تكلفة الأسلحة أكثر من توسيع الترسانات.
وزادت معظم الدول الأوروبية بشكل كبير من الإنفاق العسكري منذ الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا قبل نحو ثلاث سنوات، على الرغم من أن العديد منها لا يزال أقل من الهدف المحدد بنسبة 2%. وبعض الدول التي وصلت إلى هذا الهدف تبدو مرجحة للتراجع في السنوات المقبلة، بسبب ضعف المالية الحكومية، وتواجه جميع الدول تقريباً خيارات صعبة بين الإنفاق الاجتماعي أو البيئي لتلبية التزامات الناتو.
ويقول قادة معظم الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو إنهم بحاجة إلى زيادة الإنفاق الأمني بسبب التهديدات الروسية، وإنفاق المزيد بكفاءة، وقد تم نقاش هدف إنفاق جديد أعلى من 2% بشكل مكثف منذ قمة الناتو السنوية بواشنطن في يوليو.
وذكر السفير الأميركي السابق لدى الناتو، إيفو دالدر، أن هدف ترامب الجديد بنسبة 5% «رقم مختلق لا أساس له من الواقع»، مبيناً أن أعضاء الناتو الأوروبيين ينفقون الآن ثلاثة أضعاف ما تنفقه روسيا على الدفاع، ومع 5% ستتفوق أوروبا على روسيا بمقدار 750 مليار دولار سنوياً، مما يعني أنها ستنفق حوالي عشرة أضعاف ما تنفقه روسيا.
وأعرب دالدر، الذي عمل تحت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، عن خشيته من أن «الغرض الحقيقي من وضع هذا الهدف العالي هو منح ترامب ذريعة إما للانسحاب من الناتو أو عدم الوفاء بالتزام أميركا بمعاهدة الدفاع عن الناتو في حال تعرضه لهجوم».
تسليح الأوروبيين
إلى ذلك، أكد أمين حلف الناتو مارك روته، أمس، أنه يعمل على إقناع ترامب بتسهيل حصول الشركاء الأوروبيين على أنظمة الأسلحة الأميركية، مضيفاً أن الأوروبيين يستثمرون بالفعل مئات المليارات من الدولارات في صناعة الدفاع الأميركية، لكنه يعتقد أنه يمكن تحقيق أكثر من ذلك إذا جرى تحرير قطاع الدفاع الأميركي، عن طريق إزالة الحاجة إلى الحصول على الموافقة من الكونغرس والبنتاغون والبيت الأبيض.
وأشار روته إلى الطلب الأوروبي على أنظمة الدفاع الصاروخي باتريوت، وقال: «إنها تكلف ملياري دولار للقطعة. وبالتالي هذا مقدار مالي ضخم للولايات المتحدة وللاقتصاد الأميركي»، لافتاً إلى أن الأمر حالياً يستغرق مدة طويلة جداً لجلب أنظمة باتريوت إلى أوروبا. ويأتي ضغط روته في اتجاه تغيير الوضع، وسط توقعات بأن ترامب سيضغط أكثر على الحلفاء الأوروبيين ممن ينفقون أموالاً أقل نسبياً على الدفاع.
في غضون ذلك، أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، أمس، أنه ينبغي على ترامب احترام سيادة غرينلاند ووحدة أراضيها، مشيرة إلى أن «غرينلاند جزء من الدنمارك. علينا احترام سيادة غرينلاند ووحدة أراضيها».
وفي حين أكدت السفارة الأميركية في كوبنهاغن أن الولايات المتحدة ليست لديها خطط حالياً لزيادة وجودها العسكري في غرينلاند، قال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف إنه «يتابع من كثب» الكلام «اللافت» لترامب الذي هدد بضم المنطقة الدنماركية الواقعة في القطب الشمالي، حيث لروسيا مصالح كبيرة.
وأضاف بيسكوف: «القطب الشمالي منطقة لمصالحنا الوطنية، نتابع عن كثب التطور اللافت الذي يبقى لحسن الحظ حتى الآن عند مستوى التصريحات».
داخلياً، خرج ترامب من اجتماع طويل في الكابيتول هيل، مع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، مساء أمس الأول، دون تحديد استراتيجية مفضلة للتعامل مع أولوياته التشريعية، بينما يبذل قادة حزبه في مجلس النواب ومجلس الشيوخ جهداً لوضع خطة مع تولي الحزب السلطة.
وقال ترامب إنه «شعور رائع» للعودة إلى داخل الكابيتول لأول مرة منذ مغادرته منصبه قبل أربع سنوات، بعد أحداث الشغب التي اندلعت في 6 يناير 2021 من قبل مؤيديه. وبعد أكثر من 90 دقيقة من «الاجتماع رائع، والوحدة العظيمة»، أعطى ترامب للجمهوريين إشارات متضاربة، في الوقت الذي يتم فيه البحث عن النهج الأفضل.
ويركز الحزب الجمهوري على التخفيضات الضريبية وأمن الحدود والأموال اللازمة لترحيل المهاجرين، والجهود المبذولة لتعزيز إنتاج الطاقة من النفط والغاز، وهي أولويات الجمهوريين الذين يأتون إلى البيت الأبيض ومجلسي النواب والشيوخ.