بقايا خيال: «خاف من اللي حولنا مو من اللي جايينا من برة»
في شتاء 1998 رافقت ملحقنا الثقافي في دبي آنذاك راشد النويهض (بو أحمد) لزيارة الفريق ضاحي خلفان (بو فارس) القائد العام السابق لشرطة دبي في ديوانه بمنطقة الجميرة، حينها سألته عن كيفية التعامل مع عشرات آلاف الزوار الغرباء، الذين يدخلون دولة الإمارات العربية المتحدة يومياً عبر فيزا يحصلون عليها في المطار، وسألت: ألا تخافون من وقوع جرائم قد تزعزع الأمن الداخلي لبلادكم؟ فرد علي: كل هذا الجيش الجرار من الضباط وأفراد الشرطة من مختلف الإدارات والتخصصات الذين يتجولون في كل الطرقات وعند كل المنافذ البرية والبحرية والجوية، إحنا حاطينهم لمجرد استعراض عضلاتهم أو بدلاتهم أو نجومهم اللي على أكتافهم؟ إحنا لولا ثقتنا برجالنا وقدرتهم على تقصي الحقائق ومتابعة سجلات هؤلاء الغرباء، لما سمحنا بفتح المنافذ على مصراعيها لكي تهل علينا شعوب كل دول العالم، وهم زوار لا نعرف عن ماضيهم أو سوابقهم شيئاً، ولا نريد أن نعرف إن كانت ملفاتهم أو سجلاتهم الجنائية نظيفة أو سوداء، كل ما يهمنا هو متابعة تحركات هؤلاء داخل بلادنا والحرص على أن يطبقوا قوانيننا، وألا يتجاوزوا حدود حريتهم، لأننا في الإمارات نطبق القوانين على الجميع.
المستثمرون الراغبون في الحصول على جنسية أي دولة غربية من أجل الاستقرار فيها، ما عليهم إلا التأكيد على ملكيتهم لمبلغ من المال، أحياناً لا يقل عن 150 ألف دولار، لاستثماره في مشروع تجاري يوفر فرص عمل لمواطني هذه الدول الغربية أو لتنشيط اقتصاداتها، ولا يهم حينها إن كان هذا المستثمر صاحب سوابق أو أن سجله الجنائي غير مشرف طالما كانت تحركاته داخل حدود هذه الدول الغربية في نطاق القوانين المعمول بها، ومطبقاً لمبدأ «يا غريب كن أديب».
مثل هذه الدول المتقدمة لا تعترف بالعشائرية التي إن ارتكب أحدهم جريمة قتل متعمداً، توجه أعيان العشيرة إلى أهل القتيل لتقبيل الخشوم ودفع الدية وعفا الله عما سلف، ولا تعترف بالقبلية أو الطائفية التي تنتخب أحد أفرادها لعضوية مجلس الأمة أو المجلس البلدي أو حتى عضوية جمعية تعاونية ليس من أجل خدمة الوطن، ولكن من أجل خدمة القبيلة أو الطائفة ومن أجل أن يوظف أبناءها حتى لو كان توظيفاً باراشوتياً أضاع حقوق عشرات من مستحقي هذه الوظيفة.
كل ما تفعله الدول الغربية تطبيق القوانين لتتحرك مؤسسات الدولة مثل الساعة، ولهذا تجد أن اقتصادات هذه الدول تنمو وتزدهر بشكل متسارع وملحوظ، هذه الدول المتقدمة لا تعرف شيئاً عن التجنيس العشوائي ولا السياسي ولا تعرف التزوير في هويتها الوطنية حتى لو اعترفت بازدواجية جنسية مواطنيها، فكل ما يهمها استقطاب الكفاءات والتخصصات النادرة من الأطباء والمهندسين والفنيين لتطوير هذه المهن، وجذب المبدعين من الرياضيين والفنانين والموسيقيين ليحققوا لهم أعمالاً جليلة ومتميزة يخلدها التاريخ. لاحظ عندما تعيش في زمن الحزم والحسم، الذي قيد حرية المزورين والفاسدين، وعندما تُظْهِر القوانين «عينها الحمرا»، لتؤكد أن أوضاعنا تمضي نحو التغيير بمقدار 180 درجة، لتنطلق الديرة حسب ما ينشده المخلصون، حينها تستطيع أن تفتح منافذ الديرة على مصراعيها ليهل عليك الغرباء، دون أن تهاب انحرافاتهم، لأنك ماض في تطبيق القوانين على الجميع، لتكتشف أن العلة في الناس بالداخل لا في الداخلين عليك، وليس أدل على ما نقول سوى أحداث بطولة «كأس الخليج 26» الأخيرة، التي امتدت لأسابيع، دخل علينا خلالها آلاف من الضيوف الذين استمتعوا بانفتاح أجواء الكويت وسعدنا باستضافتهم دون أن يعكر صفو هذه الألفة الخليجية أي تصرف نشاز.
إذاً المشكلة لم تكن بالوافدين علينا، بل كانت فينا لتغييبنا القوانين التي كانت تعين أبناءنا من رجال الأمن في الحفاظ على أمن البلد واستقراره وديمومته.