لبنان: القاضي الإصلاحي نواف سلام رئيساً مكلفاً للحكومة

«حزب الله» فقد توازنه السياسي وهزيمته السياسية تكتمل

نشر في 14-01-2025
آخر تحديث 13-01-2025 | 20:45
نواف سلام (أرشيف)
نواف سلام (أرشيف)

المستحيل أصبح واقعاً في لبنان، هكذا لخّص الكثير من اللبنانيين ما شهدته الساحة السياسية، أمس، فبعد انتخاب قائد الجيش جوزيف عون رئيساً للجمهورية، وإطلاقه عناوين إصلاحية وتغييرية في خطاب القسم، يتجه لبنان إلى تغيير سياسي كبير، بعد أن نال القاضي نواف سلام، رئيس محكمة العدل الدولية، والمعروف بتوجهاته الإصلاحية ونزاهته، الأصوات الكافية في الاستشارات النيابية الملزمة لتكليفه من جانب رئيس الجمهورية بتشكيل حكومة جديدة.

وعلى وقع التغييرات التي تشهدها المنطقة، خصوصاً في سورية المجاورة، حيث سقط نظام بشار الأسد، الذي لطالما تدخل سلباً في لبنان، وتعرض نفوذ إيران لضربات كبيرة، يبدو أن هزيمة حزب الله السياسية قد اكتملت، حيث نجح سلام، الذي لطالما عارض الحزب وصوله إلى رئاسة الحكومة، من دون أي معركة، ومن دون الحاجة حتى إلى أي تصويت من قبل الحزب، الذي لم يسمّ أي شخصية لرئاسة الحكومة المقبلة، في لوحة تختصر تراجع قدرات الحزب السياسية بعد أن خسر قيادته في حرب مع إسرائيل أفقدته كذلك الكثير من قدراته العسكرية وممر إمداداته عبر إيران.

واشتكى حزب الله من تعرضه لكمين، بعد أن بنى هو ورئيس مجلس النواب نبيه بري سرديتهما بشأن موافقتهما على انتخاب عون بعد معارضتهما له لأشهر طويلة على أنهما حصلا على تنازلات كبيرة في الملف الحكومي، ليتبين أن «الثنائي الشيعي» خارج معركة رئاسة الحكومة تماماً.

وفي تفاصيل يوم المفاجآت هذا، أن الحزب وبري كانا يشعران بارتياح لتسمية بعض أطراف المعارضة النائب فؤاد مخزومي مرشحاً لرئاسة الحكومة لأنه غير قادر على نيل الأغلبية المطلوبة لتكليفه، لكن قبل قليل من بدء المشاورات النيابية الملزمة التي بدأها عون في قصر بعبدا، أعلن مخزومي انسحابه لمصلحة سلام. وكان النائب إبراهيم منيمنة، وهو مرشح معارض آخر، قد أعلن في وقت سابق استعداده لسحب ترشيحه لمصلحة القاضي المعروف بخبرته الواسعة، والذي ينال قبولاً دولياً واسعاً، ويتحدر من عائلة بيروتية عريقة أعطت رؤساء حكومة للبنان، بينهم صائب سلام وتمام سلام.

وفي المبدأ، حصل سلام على أصوات 84 نائباً، بينهم الكتل النيابية التابعة لكل من القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، والتيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل، والحزب الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط، وأصوات عدد من النواب السنة والنواب التغييريين، ليتجاوز الأغلبية المطلوبة وهي 65 نائباً من أصل 128.

وفي ضربة ثقيلة أخرى، رفض عون طلباً من حزب الله وحركة أمل لتأجيل استشارتهما حتى اليوم، الأمر الذي دفع الحركة والحزب إلى التراجع بعد قليل من إعلانهما طلب التأجيل والذهاب إلى القصر الرئاسي، حيث قال رئيس كتلة الحزب محمد رعد: «مرة جديدة يكمن البعض من أجل الإلغاء والإقصاء»، مضيفاً: «نعرب عن أسفنا ممن يريد أن يخدش إطلالة العهد التوافقية، ومن حقهم أن يعيشوا تجربتهم، ومن حقنا أن نطالب بحكومة ميثاقية». وكان رعد يشير بذلك إلى عدم نيل سلام صوت أي نائب شيعي. لكن من المعروف أن حزب الله نفسه مرّر تكليف حسان دياب رئيساً للحكومة من دون أي صوت سني، فيما يمكن معالجة مسألة الميثاقية بتعيين وزراء شيعة.

ويرى داعمو سلام في وصوله إلى رئاسة الحكومة فرصة لإحداث تغيير في أداء المؤسسات الرسمية، وتنفيذ العناوين العريضة التي أعلنها الرئيس المنتخب، الذي تعهد بـ«بدء مرحلة جديدة»، يكون للدولة فيها حق «احتكار حمل السلاح»، ويكون اللبنانيون جميعهم «تحت سقف القضاء والقانون».

ودعا النائب جورج عدوان، من كتلة حزب القوات اللبنانية المسيحي، في تصريح لصحافيين بعد تسمية الكتلة سلام، حزب الله إلى «الانخراط في العمل السياسي»، مضيفاً: «زمن السلاح ولّى إلى غير رجعة. ليتفضلوا إلى العمل السياسي... ونحن نمد أيدينا إليهم لنتعاون في بناء الوطن».

وقال النائب جبران باسيل، رئيس كتلة التيار الوطني الحر، الذي شكل حتى الأمس القريب الحليف المسيحي الأبرز لحزب الله، بعد تسمية سلام: «نرى فيه وجهاً إصلاحياً».

وكانت صحيفة «الأخبار»، المقربة من الحزب، عنونت في عددها الصادر أمس: «سباق رئاسة الحكومة: انقلاب أميركي كامل؟». وأوردت في تقريرها: «إذا ما سارت الأمور باتجاه تسمية القاضي نواف سلام من قبل أغلبية تجمع معارضي حزب الله ومعارضي ميقاتي والراغبين بتلبية رغبات الفريق الأميركي - السعودي، فهذا يعني أن الانقلاب الشامل قد حصل».

ولا يعني تكليف رئيس جديد تشكيل حكومة أنّ ولادتها باتت قريبة. وغالباً ما استغرقت هذه المهمة أسابيع أو حتى أشهراً، بسبب الانقسامات السياسية والشروط والشروط المضادة في بلد يقوم نظامه على مبدأ المحاصصة.

وكتب وئام وهاب، الوزير الدرزي السابق، الذي كان محسوباً سابقاً على حزب الله، أنه إذا لم يشكل سلام الحكومة خلال أسبوع «فعليه الاعتذار حتى لا يستنزف زخم العهد»، مضيفاً: «تنبهوا لمحاولة عزل الشيعة، هذه خطيئة كبيرة».

وفي تفاصيل الخبر:

يواصل الرئيس اللبناني المُنتخب جوزيف عون، اليوم الإثنين، استشاراته مع الكتل النيابية تمهيداً لتسمية شخصية سيعهد إليها مهمة تشكيل حكومة جديدة تنتظرها تحديات كبيرة، وستنتهي على الأرجح بتكليف القاضي نواف سلام برئاسة الحكومة.

وحصل نواف سلام حتى الآن على تأييد 68 نائباً مقابل تأييد تسعة آخرين لميقاتي، وفق تصريحات النواب لدى خروجهم من القصر الرئاسي حيث تجري الاستشارات.

و68 هو أكثر من نصف عدد النواب البالغ 128، ما يرجّح تسميته في نهاية الاستشارات، ولم يصل بعد نواب حركة «أمل» و«حزب الله» الذين يتوقع أن يسموا ميقاتي إلى القصر الجمهوري.

وسلام، الدبلوماسي المُخضرم الذي يرأس حالياً محكمة العدل الدولية في لاهاي، دعمته حتى اللحظة كتل معارضة لـ«حزب الله» إضافة الى كتلتي الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، والتيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل، حليف «حزب الله» في العهد السابق.

نبذة عنه

نواف سلام، قاض ودبلوماسي وأكاديمي لبناني، من مواليد عام 1953، شغل منصب سفير وممثل دائم للبنان لدى الأمم المتحدة 10 سنوات، ومثل بلاده في مجلس الأمن.

انتخب عام 2018 قاضياً في محكمة العدل الدولية، وانتخب في السادس من فبراير 2024 رئيساً لهذه المحكمة 3 سنوات إثر انتهاء ولاية القاضية الأميركية جوان إي دونوغو، وأصبح ثاني عربي يتبوأ هذا المنصب بعد وزير خارجية الجزائر الأسبق محمد بجاوي.

الجذور

ولد نواف سلام في العاصمة اللبنانية بيروت، وينحدر أصله من عائلة سياسية معروفة، والده عبدالله سلام أحد مؤسسي شركة طيران الشرق الأوسط، وهي شركة الطيران الوطنية اللبنانية، ومثّل العائلة في مجلس إدارتها ما بين 1956 و1983.

جده لأبيه هو سليم علي سلام، الذي كان رئيساً لبلدية بيروت ونائباً في مجلس «المبعوثان» العثماني في إسطنبول، وأحد مؤسسي «الحركة الإصلاحية في بيروت» المناهضة للسياسة التركية في الشرق، وكان أيضاً عضواً في الحكومة العربية الكبرى التي أسسها الملك فيصل بن الحسين ومديرا لمكتبها في بيروت.

عمه هو صائب سلام، المعروف بنضاله ضد الاستعمار الفرنسي، وترأس الحكومة اللبنانية 4 مرات في الفترة ما بين 1952 و1973، وترأس ابن عمه تمام سلام الحكومة في الفترة 2014 و2016.

متزوج من سحر بعاصيري، وهي صحفية وسفيرة للبنان لدى «يونسكو»، وله ولدان عبدالله ومروان.

التعليم

بدأ مساره الأكاديمي بحصوله على دبلوم من مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية في باريس عام 1974 ثم دكتوراه في التاريخ من جامعة السوربون بباريس عام 1979.

حصل على بكالوريوس القانون من جامعة بيروت عام 1984 ثم ماجستير في القانون من كلية الحقوق بجامعة هارفارد عام 1991 ثم دكتوراه دولة في العلوم السياسية من معهد الدراسات السياسية في باريس عام 1992.

بدأ مساره المهني في مجال القانون عام 1984 محامياً بالاستئناف وعضواً في نقابة المحامين في بيروت ومستشاراً وممثلاً للعديد من الهيئات الدولية والمحلية والعامة والخاصة في بيروت في فترتين (1984ـ1989) و(1992ـ2007)، كما عمل في مدينة بوسطن الأميركية ممثلاً قانونياً لعدد من المؤسسات الدولية في الفترة ما بين (1989ـ1992).

حياته المهنية

عمل محاضراً في جامعة السوربون من عام 1979 إلى عام 1981، حيث درس التاريخ المعاصر للشرق الأوسط، وفي عام 1981 كان زميلاً زائراً في مركز ويذرهيد للشؤون الدولية بجامعة هارفارد، وبين عامي 1985 و1989 عمل محاضراً في الجامعة الأميركية في بيروت.

بعد عودته إلى بيروت عام 1992، عمل محامياً، وبالتوازي مع ممارسته القانون، بدأ تدريس القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت وترأس قسم الدراسات السياسية والإدارة العامة في الجامعة ذاتها في الفترة 2005ـ2007.

عمل محاضراً في عدة جامعات منها كلية الحقوق في جامعة هارفارد وكلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا ومعهد السلام الدولي في نيويورك وكلية الحقوق بجامعة «ييل» وجامعة «فرايبورغ» الألمانية وجامعة بوسطن، وفي جامعات عربية في الرباط والقاهرة وأبو ظبي.

انتخب عضواً في المكتب التنفيذي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في لبنان ما بين 1999 و2002، وكانت مهمة هذا المجلس هي تقديم المشورة والاقتراحات والتوصيات في المشاريع ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي التي ترده من الحكومة.

عيّنه مجلس الوزراء اللبناني عام 2005 عضواً ومقرراً في الهيئة الوطنية لإصلاح قانون الانتخابات، حيث أسهم في إعداد مسودة قانون انتخابي جديد بعد إنهاء سورية وجودها العسكري في لبنان.

ترشيح للمنصب.. ومهام دبلوماسية

تم تداول اسمه في الساحة السياسية عام 2020 لرئاسة حكومة لبنان بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت باعتباره مرشحاً حيادياً وتكنوقراطياً، وبالنظر لسجله الدبلوماسي والقانوني والدولي الحافل، لكن «حزب الله» وحركة أمل اعترضا على تسميته.

عمل سفير وممثل دائم للبنان لدى الأمم المتحدة بين 2007 و2017 وممثله في مجلس الأمن.

رئيس مجلس الأمن ما بين مايو 2010 وسبتمبر 2011.

نائب رئيس الدورة الـ67 للجمعية العامة للأمم المتحدة من سبتمبر 2012 إلى سبتمبر 2013.

ممثل لبنان في المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة عامي 2016 و2018.

انضم عام 2018 إلى المحكمة الدولية التي تتألف من 15 قاضياً ينتخبهم الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.

كان عضواً في بعثات ميدانية لمجلس الأمن إلى عدة دول كإثيوبيا والسودان وكينيا أوغندا وأفغانستان.

back to top