حوار في مكة

نشر في 14-01-2025
آخر تحديث 13-01-2025 | 19:54
 د. نجم عبدالكريم

بينما كنت مرتدياً ملابس الإحرام، جالساً في استراحة الفندق، منتظراً أفراد أسرتي كي نتوجه إلى الكعبة المشرفة للقيام بواجبات العمرة، تقدم مني رجل ستيني طارحاً السؤال التالي:

- ألست نجم عبدالكريم؟ - بلى.

- لم أكن أتصور أن أراك في مثل هذا المكان المقدس. - وكيف بنيت هذا التصور؟

- كتاباتك كلها توحي ذلك.

- هل قرأت لي مقالاً أوحى لك زندقتي؟

- ألست علمانياً؟- كلا، لست علمانياً... ولكن هل العلماني في عرفك غير مُتدين؟

- ألا يفصلون بين الدين والدولة؟ - وما علاقة ذلك بالتدين؟

- وهل هناك دولة لا دين لها؟

- أولاً: ما تشير إليه حضرتك حدث في أوروبا لا عندنا، فعندما كانت الكنيسة تتحكم في الناس بالقهر والظلم والدكتاتورية باسم الدين اندلعت على أثر ذلك أكثر من ثورة، وهي التي فصلت بين الحكم المدني والقانوني والديموقراطي والتعسف باسم الدين.

- وأنتم تشبعتم بهذه الأفكار وتريدون تطبيقها على شعوب متدينة.

- سيدي، أليس الدين يدعو إلى العدالة والمساواة والحرية والحب والتسامح والإنسانية؟ - نعم.

- هذه هي المبادئ التي تقوم عليها العلمانية.

- إذاً، لمَ تفصل الدين؟- هي لا تمنع الدين، فلكل إنسان الحق المطلق في العبادة، على ألا يكون ذلك على حساب المبادئ الداعية للتطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أو يكون عائقاً لها، فمارس تدينك في معبدك كما تُحب، ولكن لا تجعل من نفسك وكأنك تملك الحقيقة المطلقة وتريد تطبيقها على المجتمع.

- فلماذا تهاجم النشاط الإسلامي فيما تكتب؟

- أرجو أن تفرق بين إسلام سياسي، ونشاط إسلامي.- وما الفرق؟ - الإسلام السياسي هو «الإخوان المسلمين» الذين أنشأوا تنظيماً سرياً في مطلع القرن الماضي قام بقتل القاضي خازندار، ثم اغتالوا رئيس الوزراء النقراشي، مما أدى إلى اغتيال مؤسسهم حسن البنا، وهذا الإسلام السياسي هو الذي تسبب في الكثير من الكوارث التي تعرّض لها الوطن العربي.

- ولكن «الإخوان» يشكلون تياراً كبيراً في العالم العربي والإسلامي. - والمحصلة النهائية أنهم منبوذون بسبب الإرث الدموي الذي تفرع من تشكيلاتهم المختلفة والمتعددة.

- هل موقفك هذا من الإخوان لأنهم حاولوا قتل عبدالناصر؟ - يا عزيزي، طلقات منشية البكري في الإسكندرية ما هي إلا عملية صغيرة في سجل الإخوان المسلمين.

- أعطني مثلاً؟ - اقرأ مذكرات هيلاري كلينتون. وستكتشف العجب العجاب عن الإخوان المسلمين.

- وهل ما تقوله كلينتون صحيح؟ - طيب، اقرأ للذين كانوا من الإخوان المسلمين ثم خرجوا من هذا التنظيم وكتبوا مذكراتهم، وليتك تقف على السنة التي حكموا فيها مصر، وماذا كانت نتائجها.

- هل تتكلم عن الإخوان المسلمين بضمير مرتاح؟ - يا سيدي، بعد قليل سأفتح قلبي بكل الصدق أمام ربي... ولن أقف بين يدي الله إلا وأنا مدرك لكل ما يصدر عني، وأعرف كيف يجب أن يكون ضمير العبد الذليل وهو يناجي خالقه.

- أتمنى أن تعيد النظر في بعض ما تطرحه من آراء. - مثل ماذا؟

- الليبرالية والعلمانية والديموقراطية والحداثة.

- وهل لديك البدائل عن كل هذه المبادئ؟

- نعم... حكم الله.- والنعم بأحكام الله - جلّ وتبارك - ولكنك حددت لفظاً نادى به سيد قطب... الذي اعتبر العالم الإسلامي كله يعيش عصراً جاهلياً.

- أليس ذلك صحيحاً؟ - العالم ليس جاهلياً كما صوره سيد قطب.

- فلماذا إذاً عالمنا يعاني التخلف؟ - إجابتي عن سؤالك هذا لن تسرّك.

- قل، على أن يكون كلامك مُقنعاً. - سأفتح ملفات قديمة تتعلق بحرق كتب ابن رشد وقتل معظم الفلاسفة والمفكرين.

- وما علاقتنا في الوقت الراهن بذلك؟

- إنه نفس الامتداد الذي كان يقف وراء تلك الجرائم... وهو الذي يقف وراء تخلفنا في الزمن الراهن.

***

في هذه الأثناء وصلت أسرتي، فاعتذرت من السيد الذي طلب أن ألتقيه ثانيةً لأتناقش مع آخرين... فلم أُعلق.

back to top