موظفو المحاكم في «مرمى الشكاوى»!
كثرت في الآونة الأخيرة القضايا والبلاغات التي تُقام بحق الموظفين العاملين في قطاع المحاكم والنيابة العامة بسبب إقحامهم في بعض النزاعات التجارية أو الأسرية المعروضة أمام المحاكم، رغم انتفاء صلتهم وارتباطهم بتلك القضايا.
حق الأفراد في تقديم الشكاوى والبلاغات أمر كفله الدستور وقرره القانون، وهو حق لا يُنازع فيه أحد. إلا أن الأمر الذي يدعو إلى التوقف هو مسألة إقحام موظفي المحاكم أو النيابة العامة أو جهات التحقيق في نزاعات لمجرد الانتقام أو تصفية الحسابات بين أطرافها، طالما ثبت عدم صلتهم بالوقائع الجنائية، أو حسن مسلكهم الوظيفي، أو عدم حصولهم على أي منافع مجرّمة بالقانون.
إقحام الموظفين، مثل أمناء سر الجلسات أو رؤساء الأقسام، في القضايا المدنية والتجارية أو الجزائية في وقائع جنائية وتحقيقات، لمجرد أنهم مارسوا اختصاصاتهم الوظيفية على النحو الذي رسمه القانون أو وُجِّهوا به من إداراتهم المعنية، يكشف عن غياب الأمان الوظيفي لهؤلاء الموظفين. كما يجعلهم عرضة لمواجهات جنائية قد تنتهي بهم إلى السجن أو العزل أو الغرامة، في وقت كان يجب على الإدارات الوقوف معهم ودعمهم.
لذلك، فإنه من غير المقبول أن يُحال أمين سر جلسة إلى المحاكمة الجزائية لمجرد أن اسمه ورد في حكم جزائي، أو أن يُتهم لأنه قد يكون سرب الحكم لخصم الشاكي، أو لأنه قام بالاستعلام عن حكم ضمن اختصاصاته، أو بطباعة الأحكام التي هي جزء من مهامه الوظيفية!
مثل هذه الإحالات للموظفين وأمناء سر الجلسات إلى النيابة أو جهات التحقيق تضعهم في حالة من الارتباك وتجعلهم غير قادرين على التفاعل مع بيئة عملهم، التي تصبح بيئة طارئة وخطرة. ولا يمكن لهم أن يأمنوا على مستقبلهم الوظيفي فيها، لأن وقوعهم في مرمى المساءلة الجزائية، في ظل الفوضى الإدارية التي تعيشها المحاكم، أمر بالغ السهولة والبساطة.
أكتب هذه المقالة ليس طلباً لمزيد من الحماية أو توفير الحصانة لموظفي المحاكم أو النيابة، وإنما هي دعوة للوقوف والتمهل في مصير الشكاوى التي تُقام بحق الموظفين من أطراف متناحرة. وذلك حتى لا يكون الموظفون جسرًا لتصفية الحسابات بين الأطراف في نزاعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
من هنا، يتعين على الإدارات المعنية في المحاكم الوقوف إلى جانب موظفيها ودعمهم وجهودهم، طالما ثبت سلامة مسلكهم واختصاصهم الوظيفي.