رياح وأوتاد: وتستمر المشكلة المزمنة دون حلول حاسمة
تبقّى شهران من عمر السنة المالية، ولا يزال متوسط سعر البترول أقل من 90 دولاراً للبرميل، وهو السعر المطلوب لتعادل الإيرادات مع المصروفات التي قُدّرت في الميزانية بـ 24.5 مليار دينار.
ولا يمكن معرفة كم ستبلغ المصروفات الفعلية، علماً بأن بند الرواتب هو أوضح المصروفات الثابتة، وهو في ازدياد، لأن عدد الخريجين يزداد سنوياً، وتم توظيف نحو 42 ألفاً هذا العام، بينما كانت مساهمة القطاع الخاص في التوظيف ضئيلة جداً، وفي مواجهة هذه الزيادات دعا مجلس الوزراء إلى حصر من بلغت خدمته ثلاثين عاماً، كما طلب من جميع الجهات حصر ومراجعة جميع المزايا المالية والبدلات والمكافآت لجميع الموظفين، وكذلك، وفق ما نشرته جريدة الجريدة أمس الأول، فإن 72 بالمئة من مشاريع الخطة السنوية كان تنفيذها صفراً، ولا شك في أن كل هذا سيقلل من المصروفات المقدرة، ولكن يقابل هذا التخفيض إعلان الحكومة عن مشاريع ضخمة قادمة، مثل توسعة ميناء مبارك إلى عدة أضعاف، ومشروع كورنيش الجهراء، ومشروع ربط السكك الحديدية، ومشروع المنطقة الاقتصادية الشمالية، ومعالجة مياه الصرف الصحي للمشاريع الإسكانية الجديدة، وما يتعلق بها من بنية تحتية خاصة إنشاء محطات الكهرباء، وكلها مصاريف مؤكدة وستكلف المليارات، أما إعلان وزارة المالية أن الضريبة على الشركات المتعددة الجنسيات ستؤدي إلى إيراد 240 مليون دينار سنوياً فإنه من المؤكد أن تحصيل هذه الضريبة لن يتم في هذه السنة، نظراً لوجود فترة إعداد قد تستغرق سنة تقريباً، وأيضاً ليس من المتوقع أن يصل المبلغ المحصّل إلى هذا القدر ولا نصيفه.
وبناء على هذه المعطيات، فإنه من المتوقع أن تزداد المصروفات الحكومية بوتيرة تفوق زيادة الإيرادات، ولذلك نشرت الصحف يوم أمس أن مجلس الوزراء يدرس إقرار 20 قانوناً جديداً، منها قانون للسحب من احتياطي الأجيال وآخر للدَّين العام بمبلغ 20 ملياراً، وقانون لإعادة هيكلة الأجور، وقانون لتسعير الخدمات الحكومية، وغيرها.
ومن المعروف أن السحب من الاحتياطي العام لا يحتاج إلى إصدار قانون، وقد تم السحب منه مراراً حتى أوشك على النفاد، بينما يحتاج السحب من احتياطي الأجيال إلى قانون خاص، ويفضّل كثير من الاقتصاديين الاقتراض بدلاً من السحب من الاحتياطي، لأن كلفة الاقتراض أقل غالباً من كلفة تسييل أصول الاحتياطي الجيدة، ولكن الاقتراض له عيوب خطيرة، إضافة إلى المحاذير الشرعية، لأن توافر السيولة لدى الحكومة سوف يُنسي ويصرف عن الإصلاح الاقتصادي، في حين يكبر الدين ويتضاعف بارتفاع الفائدة، كما حدث في بلاد عديدة، لذلك فإن التركيز على البدء بالإصلاح الاقتصادي الفعلي وترشيد المصروفات وخلق مصادر بديلة للنفط وفرص التوظيف الخاص هو الأولى بالاستعجال والتنفيذ، ولا يجوز للحكومة تأجيله.