قراءة في فكر نواف سلام رئيس حكومة العهد الجديد
رسم خريطة طريق «الجمهورية الثالثة» في أحدث كتبه عام 2023 بعنوان «لبنان بين الأمس والغد»
في كتابه ««لبنان بين الأمس والغد» يضع رئيس الحكومة اللبنانية الجديدة نواف سلام ما يشبه الدعائم الكفيلة بإقامة بنيان الدولة الجديدة عليها.
ونقطة الانطلاق إلى ذلك الأمل هي الإصلاحات التي يدعو إليها، من خلال العمل، وفي آن واحد تنفيذ أحكام الطائف، التي لم تُنفذ بعد، وتصحيح اختلالاته.
الإصلاحات التي يتبناها تستند إلى مبدأ إعلاء «منطق المؤسسات» على أي اعتبار آخر، أي أن الهدف والغاية ليس إعادة توزيع السُّلطة بين مختلف الطوائف، بل إقامة «الجمهورية الثالثة» المستندة إلى تعزيز دور مؤسسات الدولة، وتحسين أدائها، دون تجاهل التوازنات الطائفية التي تعكسها بين المؤسسات الكبرى للدولة، والسُّلطات التي يتمتع بها أصحاب المسؤولية فيها.
في طليعة الإصلاحات الضرورية، وجوب الانتقال إلى نظام المجلسين، مادام المنطقان، الطائفي والفردي، لايزالان يتعايشان في لبنان، رغم ما يشوب العلاقة بينهما من توتر. وهكذا يضمن مجلس الشيوخ، المطلوب إنشاؤه، التمثيل العادل للطوائف، في حين يؤمِّن مجلس النواب المشاركة «المواطنية» غير الطائفية.
ما يدعو إليه الرئيس القادم للحكومة، هو الأخذ بمعايير الجدارة والكفاءة. بالنسبة لجميع الوظائف في الإدارة، وعلى كل المستويات، لن ينصف مبدأ المساواة بين المواطنين فحسب، بل سيساهم في تحسين فاعلية الإدارة ونوعية خدماتها، فضلاً عن وضع حدٍّ للزبائنية والمحسوبية، اللتين تشكِّلان الركيزتين الأساسيتين للهدر والفساد.
المطلوب أيضاً تنفيذ اللامركزية الإدارية الموسَّعة، التي ينص عليها اتفاق الطائف، والقيام بذلك سيؤدي إلى تحفيز التنمية، وتشجيع المشاركة، وتعزيز الرقابة، والمحافظة على الخصوصيات المناطقية.
نقطة الانطلاق العمل مع تنفيذ أحكام «الطائف» التي لم تُنفذ بعد وتصحيح اختلالاته
ما يسعى إليه «دولة الرئيس القادم» بالدعوة إلى استقلال القضاء، هو المبدأ الأساسي للفصل بين السُّلطات، أي ما يشكِّل حجز الزاوية في مفهوم دولة القانون، وحماية أكبر للقضاء من التدخل السياسي، وكل ذلك بهدف استعادة الثقة في الدولة... ومن المؤكد أن لسُلطة قضائية معزَّز استقلالها، دوراً كبيراً في معالجة الفساد.
مسألة أخرى تكتسب أهمية غير عادية، وهي أنه يتعيَّن على المحاكم أن تُحاسب الحكام على إخلالهم بواجباتهم القانونية، على اختلاف أنواعها، لكن يبقى على الناخبين مسؤولية أكبر، وهي محاسبة ممثليهم في صناديق الاقتراع على أدائهم السياسي.
ولكي تكتمل حزمة الإصلاحات، لابد أن يجري إصلاحاً لقانون الانتخابات، يُبقي النظام النسبي، لكن يبدل في قواعد تطبيقه، لجعله أكثر عدلاً وتمثيلاً، فالواقع يقول إن تطبيق النظام على الوجه المشوَّه، الذي اعتمد في قانون 2017، أدَّى إلى نتائج معاكسة.
سيتعزز وضع لبنان إذا التزم بسياسة «النأي بالنفس»، وسياسة عدم الانحياز تجاه المحاور الإقليمية والدولية.
تناول دولة الرئيس القادم المكونات الثلاثة الرئيسية لـ «أصول المسألة اللبنانية»، وهي: الطوائف، والدولة، والمواطن.
وهنا قراءة شاملة لفكر الرئيس لكيفية بناء «الجمهورية الثالثة»، وتحت عناوين ثلاثة، هي: «مدخل إلى تجاوز الطائفية»، و«إصلاح النظام الانتخابي»، و«من أجل إصلاح دستوري».
من أجل إصلاح دستوري
واستناداً إلى خبراته السياسية الطويلة، وتنوُّع معارفه العلمية، يطرح هنا «برنامج» الإصلاح الدستوري، الذي يعتبره حجر الزاوية في مشروع بناء الدولة الحديثة.
الواقع أن العديد من الإصلاحات المهمة التي ينص عليها اتفاق الطائف لم يتم تنفيذها بعد. المطلوب أولاً هو القيام بذلك. ولعل أهمها هو تشكيل «الهيئة الوطنية» المنوط بها بموجب المادة 95 من الدستور «دراسة واقتراح السبل الكفيلة بإلغاء الطائفية»، واللامركزية الإدارية، وتعزيز استقلالية القضاء.
بنية مؤسسات الدولة الرئيسية في لبنان والصلاحيات التي يتمتع بها المسؤولون فيها لا تعبِّر عن المبادئ الدستورية المعروفة
أما مسألة سنّ قانون انتخابي جديد يضمن تمثيل الفئات المختلفة من الشعب، كما «العيش المشترك»، فإن دلَّت على شيء، فهو كيف تم تشويه بند أساسي كهذا من الطائف في الممارسة اللاحقة. يُضاف إلى ذلك أن بسط سُلطة الدولة «على كامل الأراضي اللبنانية بواسطة قواها الذاتية» أمر لم يتحقق بعد، وهو بات مرتبطاً بالاتفاق على استراتيجية الدفاع الوطني، التي يفترض أن تعالج أيضاً قضية مستقبل سلاح «حزب الله».
لقد أدَّى التطبيق الانتقائي لاتفاق الطائف إلى تقويض ميزته كـ «صفقة شاملة». كما أدَّت الممارسات غير الدستورية إلى تشويه عدد آخر من الإصلاحات الأساسية، مثلما يتضح من ظهور «ترويكا» تضم رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، وتتصرَّف كهيئة عُليا لاتخاذ القرارات في فترة من الفترات، وبعدها قيام «هيئات» للحوار الوطني، وتشكيل حكومات على قواعد جديدة ناتجة عن اتفاق الدوحة لعام 2008.
وتالياً، غالباً ما يُقال إن أي دعوة للنظر في أي تعديلات على الطائفية ستظل غير مبررة ما دام الاتفاق لم يُنفذ بشكل «كامل» أو على وجه «سليم». إلا أن هذه المقولة لا تأخذ في الاعتبار الاختلالات البنيوية للطائف، التي تبينت بالفعل من خلال الإشكالات العديدة التي ظهرت في تطبيقه منذ 1990، وتجلَّت في عجزه عن وضع حدٍّ لأزمات النظام المتكررة.
الحقيقة أن رفض الأخذ بالإصلاحات المطلوبة لتصحيح عيوب الطائف، وتحت أي ذريعة كانت، إنما يقود إلى الموت البطيء والأكيد لهذا الاتفاق، فيما هو لايزال يشكِّل أساس السلم الأهلي في لبنان.
المهم أن نتذكَّر فيما نطرح من علاجات لهذه الاختلالات، أن بنية مؤسسات الدولة الرئيسية في لبنان والصلاحيات التي يتمتع بها المسؤولون فيها لا تعبِّر عن المبادئ الدستورية المعروفة، بقدر ما هي تعكس توزيع السُّلطات فيما بين الطوائف المختلفة.
أما الحلول التي سنقترح، فهي لا تهدف إلى إعادة توزيع السُّلطة فيما بين الطوائف، بل إلى إعلاء «منطق المؤسسات»، أي إلى تقديم ضرورة انتظام عملها کـ «مؤسسات» دستورية، ولو على حساب «امتيازات» مَنْ هم بمواقع المسؤولية فيها.
«الدولة» جديرة بهذه التسمية فقط عندما تنجح بفرض استقلاليتها عن الطوائف
ففي انتظار بروز توازن قوى داخلي يضع لبنان على طريق فعلي لتجاوز الطائفية، فإن هدف مثل هذه العلاجات هو تجنب أخطار المآزق الدستورية الكامنة في دستور الطائف، وتصحيح اختلالاته، وسد ثغراته.
وقد أصبح هذا الأمر أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وذلك لسببين: الأول، أنه في حين بدا لفترة أن لبنان قادر على تجاوز اختلالات دستور الطائف، فإن هذا لم يكن بسبب أي «يد خفية» (وفق عبارة آدم سميث الشهيرة) قادرة على ضمان حُسن عمل مؤسساته السياسية، بل كان بالأحرى بسبب «اليد الثقيلة» لسورية ودور «الحكم» المزعوم (لكونها طرفاً ذا مصلحة)، الذي لعبته في السياسة اللبنانية حتى انسحاب قواتها في 2005.
الثاني، أن لبنان بحاجة إلى منع تطور عادات دستورية مُضرة إلى مرتبة الأعراف.
يلاحظ توماس أ. بايليس في تحليله المقارن للسُّلطات التنفيذية في الديموقراطيات الناشئة في أوروبا الشرقية، أن «القواعد والمؤسسات الجديدة لا تنتج على الفور واقعاً ثابتاً، بل توجد هيكلية فضفاضة يسعى اللاعبون السياسيون إلى قولبتها على شكل يخدم مصالح سُلطتهم وأهداف سياستهم».
لهذا، فإن على لبنان أن يدخل آليات توازن وتحكيم إلى دستور ما بعد الطائف، وأن يزيل من نصوصه أي التباس يمكن أن يكون سبب مآزق دستورية أو خلافات طائفية، وإلا سيكون على لبنان أن يستسلم مجدداً لمصالح القوى الخارجية التي تعرض نفسها كـ «حكم» (أطراف ذوو مصلحة طبعاً)، بهدف تفادي أخطار وأكلاف الأزمات السياسية و/ أو الصراعات الأهلية.
عشرة اقتراحات
لهذا الغرض، هنا عشرة اقتراحات لتعديلات دستورية ضرورية:
أولاً: انتخاب رئيس الجمهورية تحكمه المادة 73 من الدستور، والتي تنص على أنه «قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناءً على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد. وإذا لم يُدع المجلس لهذا الغرض، فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس».
هذه المادة لا تتطلب من المرشحين لمنصب الرئاسة إعلان ترشحهم. لكن من أجل تعزيز شفافية عملية الانتخاب كما هيبة موقع الرئاسة الأولى، لابد من جعل إعلان الترشح إلزامياً.
الخيار العملي هنا يكون بالطلب من المرشحين تقديم ترشحهم إلى مكتب رئيس مجلس النواب قبل شهر على الأقل أو ثلاثة أشهر كحد أقصى قبل بدء مهلة انعقاد البرلمان لانتخاب رئيس. فهذا سيزيد من دون أي شك، الشرعية الديموقراطية للانتخابات، ويقوي مركز الرئاسة. كما أن تعديلاً كهذا سيفرض على المرشحين الابتعاد عن «الثقافة» السائدة، المتمثلة بتبني سياسة الانتظار والترقب، وتجنب اتخاذ المواقف السياسية، على أمل أن يصبحوا مرشحي تسوية مقبولين، لا بل مرشحي توافق عام.
ثانياً: تنص المادة 53، الفقرة (2) من الدستور، على الآتي: «يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها».
هذه المادة لا تحدد أي إطار زمني لبدء الاستشارات أو لتكليف رئيس حكومة جديد في حال حدوث ما يستلزم ذلك، مثل استقالة رئيس الحكومة أو أي «حالات» أخرى «تعتبر الحكومة مستقيلة» بموجبها.
لسد هذه الثغرة، يجب تعديل الدستور، لينص على أن عملية تسمية رئيس حكومة جديد يجب إتمامها في فترة زمنية محددة لا تتجاوز عشرة أيام. وفي حال لم تتم تسمية رئيس حكومة خلال هذه الفترة، تعود عندها إلى مجلس النواب صلاحية الاجتماع تلقائياً في اليوم الثالث بعد انتهاء مهلة العشرة أيام، والشروع في انتخاب رئيس للحكومة مكلف تشكيلها.
هذه ليست مسألة نظرية، إذ سبق للبنان أن اختبر الأخطار التي تترافق مع التأخير في عملية تكليف رئيس للحكومة، أو حتى في الدعوة إلى الاستشارات النيابية لهذا الغرض، كما في الأزمة السياسية التي تلت اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005، وبعدها إثر الانتفاضة الشعبية في خريف 2019، كما في أعقاب الانفجار في مرفأ بيروت يوم 4 آب 2020.
ثالثاً: تنص المادة 53 نفسها، الفقرة 4 على أن رئيس الجمهورية «يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم».
تقتضي قراءة هذه المادة بالتلازم مع الفقرة 2 من المادة 64 التي تنص على أن الرئيس المكلف «يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها».
من الواضح أن المادة الأخيرة لا تفرض مهلة على الرئيس المكلف تشكيل حكومة.
كما يبدو أن الأساس المنطقي للفقرة 4 من المادة 53 استند إلى فرضية أنه في حال وجود خلاف بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلف بشأن اختيار الوزراء و/أو الحقائب الوزارية الموكلة إليهم، فسيكون عليهما التوصل إلى تسوية فيما بينهما لجعل تشكيل الحكومة ممكناً.
لكن ماذا لو فشل الرئيس المكلف خلال فترة معقولة في اقتراح صيغة حكومية على رئيس الجمهورية لأخذ موافقته، وتالياً إصدار مرسوم تشكيلها؟ وماذا لو فشل الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية في التفاهم على صيغة حكومية مقبولة منهما، واستمر خلافهما؟ ماذا يحدث عندها؟
لا يوجد حل في الطائف لمثل هذا الاحتمال. من هنا الحاجة إلى تعديل الدستور، من أجل وضع آلية لحل مأزق كهذا.
في مثل هذه الحالة أيضاً، فإن اللجوء إلى تحكيم مجلس النواب هو الخيار الأكثر منطقية من منظور ديموقراطي، لأن هذا المجلس مُنتخب مباشرة من الشعب، الذي هو «مصدر السُّلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية»، حسب ما جاء في مقدمة الدستور. كما أنه هو الذي يسمي الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، وينتخب رئيس الجمهورية.
لهذا، ما نقترحه هنا هو أنه إذا لم ينجح رئيس الحكومة المكلف، بعد انقضاء مهلة ثلاثين يوماً على تسميته، في اقتراح مشروع حكومة على رئيس الجمهورية أو نيل موافقته على تشكيلتها، وجب اعتباره متنحياً عن هذه المهمة، وكان على رئيس الجمهورية الدعوة مجدداً إلى استشارات نيابية من أجل تسمية رئيس مكلف جديد.
وفي حال أسفرت نتائج هذه الاستشارات عن إعادة تسمية الرئيس المكلف نفسه، وتبيَّن أن هذا الأخير بقي على خلاف مع رئيس الجمهورية على صيغة الحكومة، كان عليه أن يقدِّم الصيغة المقترحة منه إلى مجلس النواب، لأخذ موافقته عليها بعد مُضي ثلاثين يوماً على إعادة تكليفه. وفي حال وافق المجلس على هذه الصيغة، وجب عندها على رئيس الجمهورية إصدار مرسوم تشكيلها.
أما في حال لم يتقدَّم الرئيس المكلف في المهلة المذكورة بصيغة حكومية إلى رئيس الجمهورية أو فشل في الحصول على موافقة أغلبية مجلس النواب عليها، فيجب اعتباره متنحياً عن هذه المهمة، كما أنه يخسر عندها إمكان تسمية مجلس النواب له للمرة الثالثة لتولي هذه المهمة.
لعل حسنة مثل هذا الحل أنه لا يعالج المأزق الذي قد ينتج من الاختلافات المحتملة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلف فحسب، بل يضع أيضاً مهلة زمنية للأخير لاقتراح تشكيلته الحكومية، وتالياً يحمي العملية الدستورية من أخطار التسويف السياسي.
من الأمثلة الواضحة على مثل هذه الحالات، هو تطور الأزمة السياسية بعد إعادة تكليف عمر كرامي تشكيل الحكومة في آذار 2005 حتى تنحيه عن هذه المهمة، وتطلب أربعة أشهر لتشكيل حكومة سعد الحريري عام 2009، وستة أشهر لحكومة نجيب ميقاتي عام 2011، وأحد عشر شهراً لحكومة تمام سلام عام 2014.
إضافة إلى ذلك، فإن مبدأ إدخال أطر أو مهل زمنية لإنجاز مثل هذه المهمات ليس غريباً على دستور الطائف، الذي ينص مثلاً في الفقرة 2 من المادة 64 أنه «على الحكومة أن تتقدَّم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً» من تشكيلها.
رابعاً: تنص المادة 56 من الدستور على أن رئيس الجمهورية «يصدر المراسيم، ويطلب نشرها، وله حق الطلب إلى مجلس الوزراء إعادة النظر في أي قرار من القرارات التي يتخذها المجلس خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إيداعه رئاسة الجمهورية. وإذا أصر مجلس الوزراء على القرار المُتخذ أو انقضت المهلة دون إصدار المرسوم أو إعادته يعتبر القرار أو المرسوم نافذاً حكماً ووجب نشره».
صلاحيات رئيس الوزراء
بكلام آخر، إذا تم اتخاذ قرار في مجلس الوزراء، لكن رئيس الجمهورية رفض التوقيع على المرسوم الذي يعطيه صيغة تنفيذية، فإن الدستور ينص على أن هذا القرار يصبح نافذاً تلقائياً بعد خمسة عشر يوماً في حال أصرَّ مجلس الوزراء عليه. لكن ماذا لو رفض رئيس مجلس الوزراء وليس رئيس الجمهورية، التوقيع على المرسوم المطلوب لإعطاء القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء صيغة تنفيذية؟
لا يوجد حل لهذه المشكلة في الدستور، إذ يصعب عادة تصوُّر مثل هذا الوضع، لأنه لا يُفترض أن يكون رؤساء الوزراء على خلاف مع الحكومات التي يرأسون - أو على الأقل مع الأغلبية داخل هذه الحكومات.
لكن بما أن الحكومات في لبنان غالباً ما تتشكَّل من تحالفات غير متجانسة، فإن هذه الحالة حصلت أكثر من مرة منذ الطائف. ففي 1998 مثلاً، تمكَّن رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري من أن يوقف «دستورياً» قراراً اتخذه مجلس الوزراء بغالبية أعضائه (21 مع، 6 ضد، 1 امتناع) لصالح مشروع قانون يهدف إلى السماح بـ «الزواج المدني» على أساس «اختياري»، وذلك من خلال عدم توقيعه على المرسوم المطلوب لإنفاذ هذا القرار.
في المقابل، كتب رئيس الوزراء السابق سليم الحص أنه وقع مرسوم الموافقة على مشروع قانون الانتخابات التشريعية في عام 2000، رغم أنه كان لديه رأي مختلف، فقط لأن هذا كان موقف غالبية (أعضاء) حكومته.
يصعب الدفاع عن كلا الموقفين على أسس دستورية أو سياسية، لكن أهميتهما تكمن في أنهما يشهدان على خطورة مشكلة كهذه، وضرورة إيجاد حل لها.
الواقع أن القول إنه لا توجد مثل هذه المشكلة، لأن الدستور ينص على مساءلة رؤساء الوزراء عن أفعالهم و/أو تقصيرهم من خلال آلية تصويت السُّلطة التشريعية بالثقة أو حجبها، قول لا يقع في موقعه الصحيح. فالموضوع هنا يتعلق بالأداء السليم للسُّلطة التنفيذية، وهو ليس مسألة ضوابط وتوازنات بين السُّلطتين التنفيذية والتشريعية.
أحد الحلول الممكنة لهذه المسألة يكون بمنح رئيس الحكومة الحق - قياساً على الحق الممنوح لرئيس الجمهورية - في مطالبة مجلس الوزراء بإعادة النظر في أي قرار باجتماعه التالي.
وإذا تمسَّك مجلس الوزراء بقراره ولم يوقع رئيس الوزراء المرسوم الذي يضعه حيز التنفيذ في غضون خمسة عشر يوماً، اقتضى اعتبار أنه قدَّم استقالة حكومته، لأنه لا معنى، أو فائدة، من استمرار حكومة على خلاف مع رئيسها.
خامساً: هناك مشكلة إضافية تتعلق بسير عمل السُّلطة التنفيذية، هي احتمال عدم توقيع الوزير المعني على مرسوم يضع حيز التنفيذ قراراً اتخذ في مجلس الوزراء، أو حتى تأجيل التوقيع عليه من دون مبرر مقبول.
الحقيقة أنه لا حل لهذه المسألة في الطائف. فمن أجل تفادي مأزق دستوري في حال نشوء وضع كهذا، يجب اعتبار قرار مجلس الوزراء نافذاً بعد عشرة أيام من اتخاذه.
كما تم استعراض الاقتراحات الأخرى وهي: دور مجلس النواب وكيفية حله والجمع بين الوزارة والنيابة، واستقلالية القضاء.
دعائم بناء لبنان الغد:
1- إعلاء منطق مؤسسات الدولة
2- المواطنة الجامعة
3- سيادة القانون
4- قيم المساواة والحُرية والعدالة الاجتماعية