يشبه الاتفاق النووي الإيراني في هذه الأيام سلسلة أفلام الهالوين، إذ تمتد «خطة العمل الشاملة المشتركة» على فصول وأجزاء لا متناهية،
فمنذ أقل من أسبوعين، أعلن مبعوث إدارة بايدن إلى إيران، روب مالي، أن الولايات المتحدة بدأت تُركّز على «مسائل أخرى» مثل «محاولة منع وصول إمدادات الأسلحة إلى روسيا ودعم أكبر طموحات الشعب الإيراني»، نظراً إلى عدم اهتمام طهران ب«خطة العمل الشاملة المشتركة».
لكن في 9 ديسمبر غداة اتصال مع جوزيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ومنسّق المفاوضات المرتبطة بالاتفاق النووي بتكليف من الأمم المتحدة، غرّد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، ما يلي: «نحن نتجه إلى المرحلة الأخيرة من اتفاق جيد وقوي ومستدام».
وبعد مرور ثلاثة أيام، اختصر بوريل اجتماع مجلس الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي قائلاً: «لا نملك خياراً أفضل من خطة العمل الشاملة المشتركة لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، فلا يزال هذا الاتفاق يصبّ في مصلحتنا».
كذلك، دعا بوريل الاتحاد الأوروبي إلى فصل مسائل حقوق الإنسان وروسيا والطائرات المسيّرة عن «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ومتابعة التواصل مع إيران «قدر الإمكان» في الملف النووي رغم المأزق الراهن.
تعليقاً على «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ردّت وزارة الخارجية الإيرانية على الاتحاد الأوروبي معتبرةً «الهدف الإيراني الأساسي مرتبطاً بالتوقيع على اتفاق دائم»، وأكدت على استعداد البلد «لإتمام المحادثات بما يتماشى مع مسودة مفاوضات فيينا التي اشتقت من نقاشات صعبة ومكثفة على مر أشهر طويلة».
ثم وافقت إيران بعد فترة قصيرة على زيارة وفد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 18 ديسمبر، في محاولة لحل الخلاف القديم حول انتهاكات إيران المحتملة لاتفاق الضمانات النووية.
في غضون ذلك، يؤكد عدد من المسؤولين والمصادر الإقليمية على تجدّد اهتمام إيران بإبرام الصفقة النووية، وتكثر الشكوك بنوايا إيران الحقيقية، لكن تبقى المخاطر المطروحة أكبر من الإغفال عن التحول المحتمل في موقف طهران.
على صعيد آخر، قد يشعر بعض القادة البراغماتيين في إيران بأنهم أخفقوا في أغسطس الماضي، قبل شهر على اندلاع الاحتجاجات التي تلت موت الشابة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى الشرطة بسبب انتهاكها لقانون ارتداء الحجاب، وكان إبرام الاتفاق وشيكاً في الصيف الماضي، لكن انهارت المحادثات بعدما طلبت إيران ضمانات إضافية تحسباً لانسحاب الولايات المتحدة مجدداً من الاتفاق، كما فعل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في عام 2018.
جعل الرئيس الأميركي جو بايدن العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني على رأس أولوياته، فعبّر مراراً عن عدم استعداده للسماح لإيران بتطوير سلاح نووي خلال عهده، واعتبر الدبلوماسية أفضل مقاربة لتحقيق هذه الغاية.
لكن يجب أن يكون الحافز وراء الاتفاق أقوى من أي وقت مضى، فلم تكن الدبلوماسية النووية تتعلق يوماً بمكافأة الحكومة الإيرانية أو التعويل على تغيّرها نحو الأفضل، بل إنها كانت ولا تزال تتمحور حول منع إيران من تصنيع قنبلة والتعامل مع تداعيات هذه الخطوة، بما في ذلك احتمال بدء سباق تسلّح نووي في المنطقة.
تشعر الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجتمع الدولي ككل بالقلق من ارتفاع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60% في إيران، مما يعني أن البلد أصبح على بُعد خطوة تقنية واحدة من بلوغ مستوى التخصيب الذي يسمح بتصنيع الأسلحة (90%).
أكدت إدارة بايدن على عدم تخليها عن «خطة العمل الشاملة المشتركة»، لكنها تكلمت عن انشغالها ب «أولويات أخرى» بكل بساطة، فكان الاتفاق المقترح في شهر أغسطس الماضي (لا يزال ساري المفعول في المبدأ) عبارة عن مسودة صادقت عليها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. تبدأ أي عودة إلى المحادثات من إيران طبعاً، لكن إذا أبدت إيران اهتمامها بالاتفاق مجدداً، فمن واجب الولايات المتحدة أن تضيف «خطة العمل الشاملة المشتركة» إلى «الأولويات الأخرى».