منعت حكومة «طالبان» النساء من الحضور في الجامعات العامة والخاصة يوم الثلاثاء الماضي، ولم تبيّن الأسباب، غير أن هذا يعدّ متفقاً عليه من أحكام الشريعة الإسلامية كما يفهمها الطالبانيون وحتى أشياعهم هنا بهذه الدولة التي يُعد فيها معدل الدخل الفردي من أعلى المعدلات، بينما تعدّ أفغانستان من أفقر الدول، وزاد جروحها الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة بحجز أموالها.
في الكويت، لو قُدّر لهؤلاء الذين يرون في أفغانستان النموذج الكامل لتطبيق الشريعة أن ينهجوا الطريق ذاته لأئمتهم هناك في كابول لما تأخّروا في ذلك، فمشاريع العزل الجنسي في الكليات والجامعات والمدارس الخاصة هي أولى أولويات هؤلاء النواب، ولكن يشفع لهم وعلينا أن نتقبلهم رغم أنوفنا، أنهم حريصون على المال العام ويراقبون السلطة بعيون صقرية في مسلكها المعتاد في هدر الأموال بصفقات سلاح سابقة، أو تفصيل مناقصات أيضاً سابقة، أما مشاريعهم (نواب التقوى والحرص على الأموال العامة) كهدر معظم مقدرات الدولة المالية للجيل الحالي، بإسقاط القروض دون ضوابط، مع مقترحات مثل زيادات مالية للطبقة الوسطى (طبقة الموظفين العموميين العريضة)، فلا مكان للكلام عنها، لأنّ السلطة كانت تفعل وتنفق بأريحية حاتمية لدوائر صغيرة من جماعات قريبة منها بأكثر بكثير من مشروعات نواب المشروعات «الشعبوية»، كما يقال عنهم، والعين بالعين والسن بالسن.
ليس مهماً الحديث الآن عن الأولويات النيابية، وبعضها ضرورة حتماً، وليس مهماً الحديث عن حالة الضياع والتشتت الفكري للحكومة في عمليات «شيل فلان وحُط فلان ورحل شيخ وهات مكانه شيخ آخر... وكيف نتفاهم مع مجلس الثوار»، يبقى هناك القدر القليل المتيقن أن في أفغانستان المحررة التي تقام فيها حفلات دورية لجَلد للنساء والرجال لجرائم التعزير، لحزب «طالبان» عذرهم غير المقبول عند العقلانيين الغائبين في الأمة الإسلامية، ولكنه مفهوم من وجهة النظر الإنسانية، فالجوع الذي تفرضه الولايات المتحدة ودول الغرب التابعة لها لا يقل سوءاً وضرراً عن حرمان المرأة من التعليم أو جَلدها لعدم وضع النقاب كاملاً، فالشعوب هي التي تدفع ثمن تلك العقوبات لا الأنظمة.
لكنّ السؤال هنا: ما عذرنا هنا في بلد الكروش المتمددة حين تنهض مثل هذه المطالبات الرجعية عند النواب الثوار، وتصبح وصمة كراهية لهذه الديموقراطية الشكلية لدى الأقلية الليبرالية التائهة، كي تجد نفسها آخر الأمر مثل الغريق الذي يتعلّق بقشّة السلطة، فينتهون بالإفلاس من الاثنين؟ عندها ماذا لدينا كي نردده دون ملل غير «عمرها ما ترقع»؟!