عندما كنت طالباً في دار القرآن حضر إلى صفّنا مدرسان شابان ليقيّما شيخنا معلم التجويد «المتقن» خريج جامعة الأزهر، الذي بلغ من الكبر عتيا، فصارت غصة في نفس الشيخ الفاضل، كيف لهذين الشابين حديثي التخرج اللذين في عمر أبنائه أن يكونا بمنزلة الموجه لشيخ متمكن من مادته؟! اعتبرها نوعاً من الإهانة، لكنه أسرها في نفسه ولم يبدها، إلا لنا قائلا: «ما في شوية نظر؟»، فانحرجنا جميعا، وعمّ صمت الاستياء.

إننا نأسف عندما نرى مثل هذا التعدي المهني على أهل الاختصاص باسم القانون، وخصوصا في وزارة التربية، التي سمحت للمدرسين أن يترشحوا لرئاسة القسم بخبرة لا تقل عن أربع سنوات (في بعض التخصصات)! ثم ألغت صلاحيات الموجهين في تقييم وتقويم المعلمين، وأعطتها لرئيس القسم!

عزيزي القارئ، إن المدرس الذي انضم حديثا بنظام التعليم، وهو حديث تخرج من الجامعة، يحتاج على الأقل خبرة أربع سنوات من الدورات والإنجازات حتى يرتقي بمسمى «معلم» ويثبت وجوده، هذا مع إلزامه بالتدرج الوظيفي للمراحل العمرية المختلفة، وهذا المفهوم ليس بغريب، فمساعد الطيار مثلا، يحتاج إلى كذا ألف ساعة طيران حقيقي حتى يمنح لقب طيار، وكذلك الحال في الوظائف الهندسية، فالمهندس يبدأ مشواره الوظيفي بعد تخرجه من الجامعة بمسمى مهندس مبتدئ، ثم مهندس، إلى أن يصل إلى مسمى كبير المهندسين أو استشاري، فهل يعقل أن يكون مسمى «معلم» سهل المنال لهذه الدرجة، بدون تعب أو منافسة علمية وعملية؟!
Ad


فكيف للوزارة أن تتخطى كل هذه الضوابط وتسمح لهذا الشاب اليافع أن يدير ويقيم من هم أكبر منه سنا وخبرة، وهو شخص لم تعركه الحياة، ولم تنضج خبرته المهنية؟ وكيف يُعطى كل هذه الصلاحيات وهو لا يزال طالبا كبيرا، في نظر المعلمين القدامى، وهو الذي يحتاج لتقويم وإرشاد؟!

ولا ننسى أيضا أن ما يميز أغلب المدرسين الشباب هو حماسهم وطاقتهم في التدريس، وتواصلهم الشيّق مع الطلبة، فلماذا نحوّل هذه الطاقة الإيجابية إلى طاقة سلبية، ونضعها في غير مكانها وأوانها!

أتمنى من وزارة التربية أن تعيد النظر في الترشيحات الإدارية المبكرة، فنحن لسنا في «مسابقة»، والحل يكون في فتح المجال لجميع المعلمين ذوي الخبرة، أو في التكليف المؤقت بشكل دوري، أو توزيع المهام الإدارية على المعلمين ذوي الخبرة مما سيخفف عبء الإداريين والموجهين، ويساعد في الارتقاء بالعمل.

وأتمنى أن يعاد النظر في صياغة المسميات الوظيفية للمعلمين، كلقب مدرس مبتدئ في السنة الأولى، ثم مدرس أول، ثم يصبح «معلما»، وهكذا، وأن تعطى مميزات مادية و«إدارية» لكل مسمى وظيفي (كنوع من التقدير)، وحتى لا نُهمّش روح المنافسة في التطور العلمي والتربوي، ونحفظ قدر المعلمين المخضرمين، الذين أفنوا أعمارهم في التعليم، ولم ينالوا نصيبا في الإدارة التربوية ولا الإرشاد العلمي، وأرجو أن تعود صلاحية الموجهين الفنيين في إعداد وتقويم وتقييم المعلمين.