أعاد استطلاع للرأي العام اللبناني أجرته إحدى الشركات التجارية الإقليمية بتكليفٍ من معهد واشنطن في نوفمبر 2022 تأكيد وجود إحباطٍ شديدٍ لدى المواطنين اللبنانيين في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية، كما كشف عن زيادة الاهتمام بالعلاقات الدولية مع تنامي التشاؤم إزاء المسائل الإقليمية.
وحافظت أهمية العلاقات مع إيران على نسبة منخفضة لا تتجاوز 44 بالمئة، وكما العادة، اختلفت الإجابات عن هذا السؤال بشكلٍ كبير بحسب العِرْق والدين. فقد أفاد 83 بالمئة من المستجيبين الشيعة أنها «مهمة لحدّ ما»، في حين أن السنّة والمسيحيين والدروز الذي قدموا الإجابة نفسها تراوحت بين 20 و39 بالمئة، وهي نسبة قليلة مقارنة بالنسبة لمن أكدوا أهمية العلاقات مع الولايات المتحدة في الطوائف الثلاثة.
واختلفت الآراء حول الاحتجاجات المعادية لحكومة إيران وفق الخلفية الدينية أيضاً. ففي حين اعتبر 54 بالمئة أنها «إيجابية لحدٍ ما»، وهي نسبة أعلى من المسجلة في مصر أو السعودية أو الإمارات، ولم يشارك إلّا 17 في المئة من اللبنانيين الشيعة هذا الرأي الإيجابي.
وبالمثل، وافق 46 في المئة «لحدٍ ما» أو «بشدة» على هذا الطرح الصريح بشكلٍ متعمد والوارد في الاستطلاع للمرة الأولى: «بما أن إيران أوشكت اليوم على حيازة قنبلة نووية، فقد حان الوقت لتحذو دولة عربية حذوها». ولو أن هذه النسبة لا تمثّل إلا النصف تقريباً، إلا أنها كانت الأعلى بين الدول الأربع المشمولة في استطلاع نوفمبر 2022.
ورغم الأهمية المتصورة للولايات المتحدة، فإن عدد المستجيبين الذين اعتبروا أنها «مهمة لحدٍ ما» يشير لحدوث تحول تدريجي على مدار العامين الماضيين. ففي أول استطلاع عام 2017 وحتى نوفمبر 2020، رأى نحو 31 بالمئة أن هذه العلاقات «مهمة لحد ما».
في المقابل، يقول 41 في المئة الآن الشيء نفسه، بما في ذلك حدوث تبدّل ملحوظ في المواقف لدى بعض اللبنانيين الشيعة، حيث قفزت نسبة الذين يرون أن هذه العلاقة مهمة من 7 إلى 23 بالمئة خلال العامين الماضيين.
ويشير هذا الاتجاه إلى أن الانهيار الاقتصادي يدفع بعض اللبنانيين تدريجياً لتغيير آرائهم بشأن قضية العلاقات مع الولايات المتحدة.
وتماشياً مع استطلاعات سابقة، مالت نسبة أكبر لتصنيف أهمية العلاقات مع روسيا والصين على أنها «مهمة لحدٍ ما»، مقارنة مع نسبة الذين قدّموا بالإجابة عينها حول علاقات الولايات المتحدة.
واحتلت الصين المرتبة الأولى، إذ اعتبر 72 بالمئة من اللبنانيين المشمولين بالاستطلاع أن العلاقات الجيدة معها «مهمة لحدٍ ما»، في ارتفاعٍ من نسبة 68 بالمئة مسجلة في مارس.
واحتلت روسيا المرتبة الثانية (58 في المئة)، في ارتفاعٍ أربع نقاطٍ منذ مارس.
والأهم من ذلك، صنّف الشيعة الذين شملهم الاستقصاء العلاقات مع روسيا بنسبة أعلى بكثير من نظرائهم، حيث قال 83 بالمئة إنها «مهمة لحدٍ ما»، مقارنة ب 46 في المئة من السنة و49 في المئة من المسيحيين والدروز الذين قالوا الشيء نفسه.
إلا أن هذا الرقم يتعارض مع غالبية المستجيبين (77 بالمئة) الذين أفادوا بأن العمليات العسكرية في أوكرانيا خلّفت أثراً «سلبياً جداً» أو «سلبياً لحدٍ ما» على المنطقة.
ترسيم الحدود
وفي حين أبدى اللبنانيون سلبية كبيرة حيال مسائل الحوكمة المحلية، بدا أن المستجيبين إيجابيين نسبياً حيال قرارٍ واحد على صعيد السياسة الخارجية، وهو توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. فقد رأى 61 في المئة أنها ستخلف أثراً «إيجابياً لحدٍ ما» على المنطقة، وهي نسبة أعلى بكثير من المسجلة بالسعودية والإمارات ومصر. ومع ذلك، لم تتبدّل الآراء بشكل كبير حول المسائل الأخرى المرتبطة بإسرائيل.
إسرائيل والفساد
وأشار 92 في المئة من اللبنانيين على أن نتائج انتخابات إسرائيل وعودة بنيامين نتنياهو للسلطة مع ائتلافه المتطرف سوف تعود بأثرٍ «سلبي» أو «سلبي جداً» على المنطقة.
وعندما طُلب منهم تقييم كيفية تعامُل دولتهم مع المسائل السياسية والاقتصادية، أفادت الأغلبية الساحقة (97 في المئة) أن دولة لبنان «تبذل القليل جداً» لمعالجة 3 مخاوف رئيسية، هي الحد من الفساد في الاقتصاد والقطاع العام، وتأمين حياةٍ كريمة، وتخفيف عبء الضرائب والموجبات الأخرى بصورةٍ عادلة.
وأفادت أغلبية مماثلة (91 في المئة) أن الحكومة لا تبذل جهوداً تُذكر للاهتمام بآراء اللبنانيين. وأجمع الشباب والمتقدمون في السن من سُنّة وشيعة ومسيحيين ودروز على هذه النظرة المتشائمة، في توافقٍ أكبر بالمقارنة مع الاستطلاعات في الدول الأخرى.
وعلى الرغم من أن كل دول الشرق الأوسط عانت مستوياتٍ متباينة من انكماش اقتصادي يزداد تعقيدًا، تشير الاستطلاعات هذه للوضع الملحّ جدًا في لبنان. فقد شهدت معدلات الفقر والبطالة ارتفاعًا كبيرًا، وبلغت مستوياتٍ خطيرة أخيراً، لتصبح الشريحة الأكبر عاجزةً عن تحمُّل تكلفة الحاجات الأساسية، مثل التدفئة أو الرعاية الصحية.
وتفاقم الواقع في ظل غياب الاستجابة الحكومية، وتركت انقسامات البرلمان العميقة لبنان من دون رئيس منذ أكثر من شهر. وبالفعل، عارض 91 بالمئة من المستجيبين «لحدٍ ما» الطرح التالي: «من الجيد أننا لا نشهد احتجاجات ضد الحكومة، كبعض البلدان أخيراً»، بينما رفض ثلثي المستجيبين بشدة هذا الطرح.