كثير من المعجبين لدينا بالإنجاز القطري يتعبون أنفسهم ويتعبوننا بالتحليل والتنقيب عن سر هذا النجاح العالمي الباهر، ولا يخلو مثل هذا الإعجاب والاندهاش من اللمز والمقارنة مع بلادهم وفوقها رشّة من الخيبة الدالّة عن العمق الخفي، رغم أن التفوق والتميّز القطري كان متوقعاً ومرتقباً من العالم كافة، إلا جاسم بهمن بالطبع، كما لا يحتاج الأمر لكل هذا الجهد والتحسر والتنكيد العلني، فكل شيء كان مكشوفاً وظاهراً منذ البداية ولا توجد خفايا أو أسرار تدعو إلى المقارنات الظالمة والكاذبة.
المقارنات ظالمة لاختلاف الظروف، وكاذبة لأنّ من يقارن غالباً ما يكون مساهماً أو مؤيداً على الأقل لمثل هذا الاختلاف، فلا يصحّ أن تقفز على الأسباب المحلية التي تدعمها وتريحك لتصبح معجباً بنتائج الآخرين الذين خالفوا هناك معظم ما تريده وتطالب به هنا، وتدخلنا معك بعد ذلك في نوبات التبكيت والتنكيت المتواصل ومن دون أدنى مصارحة للذات.
كأس العالم في قطر لم تهبط فجأة من السماء، ولم تنبت فطراً غريباً عن الأرض، ربما لم ننتبه لذلك، لأننا كنّا عند وقوع الاختيار على ملف قطر لتنظيم كأس العالم لاهين في أتون معركة الداو والتخوين المتبادل، والتخمين العشوائي حتى خسرنا الصفقة والغرامة والسّمعة، ولم نكن مواكبين لما كان يحدث في الدوحة من تهيئة واستعدادات لمثل هذا الإنجاز الكبير.
وقبل قرار تنظيمها هناك بسنوات، سواء حين قررت الدولة القطرية إفساح المجال العام للحريات الشخصية وافتتاح الفنادق والملاهي والشواطئ المختلطة وتداول المشروبات الروحية، وذلك بالتزامن مع حلّ وتصفية تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في قطر وإنهاء جميع أنشطتهم الدعوية والتعبوية و«الخيرية» مع غيرهم، دون اعتراض داخلي أو خارجي، لتحتكر الدولة بعدها العمل الديني كما يجب لها أن تكون، وذلك مع افتتاح العديد من المعابد والكنائس لمختلف الطوائف والديانات لتمارس طقوسها بكل حرية وأمان في مجتمع واثق بنفسه وبرسوخ إيمان حقيقي لا تهزه شجرة كريسماس أو تمثال ملون، أو حين بدأت مرحلة الاستثمار البشري الكبير من خلال إنشاء وجلب أكبر الجامعات العالمية الرصينة وإرسال البعثات التعليمية لأرقى جامعات العالم شرقاً وغرباً، فلا عن «بلقاء» تسمع ولا «بنها»، مما انعكس بالضرورة على إدارة الدولة ومرافقها ومستقبلها، ثم إن قطر استعانت بالأكاديميات الرياضية وأشهر الأندية والرياضيين واللاعبين لتطوير رياضتها، ولم تتركها هائمة بين صبيان شيخ طموح أو تاجر جموح، ومن قبل ذلك ومن بعده، استعانت قطر بالوافدين من بداية الفكرة ووضع الخطط والاستراتيجيات لها، حتى بناء الملاعب والبنية التحتية اللازمة، وصولاً إلى التنظيم والأمن والإدارة، ومن عزمي بشارة حتى شاب المترو الأسمر الشهير، وحضرتك تصوّر الوافدين بالشوارع والمستوصفات وتلاحقهم في لقمة عيشهم وحياتهم كأنهم ناقصين تجليّاتك.
تبون كاس العالم؟!
بسيطة... خلّكم مثل العالم.