كل مواطن جاسوس
إذا كان وزير الداخلية يريد أن يتمشيخ ويتدروش بطريقة دراويش المجلس، فهذا شأنه وحياته الخاصة، ولا شأن لنا به، ولكن أن يحشر وزارة تمثّل الدولة وتعدّ من أخطر الوزارات التي تلامس حياة المواطنين والمقيمين بكل صغيرة وكبيرة من جرائم المرور التي هي غائبة عن عيون الأمن الساهرة، أو عاجزة عن تفعيل ملاحقاتها إلى أخطر الجرائم التي تصيب النفس والأموال، فهذا ليس من شأن الوزير ولا وزارته المتماهية اليوم مع نواب الفضيلة المحشورة بجسد الأنثى لا غير.
ماذا أبقيت يا سعادة الوزير لنواب الوثيقة «التاريخية» وكأنها وثيقة الاستقلال الأميركي - ما شاء الله - التي وقّعها عدد كبير من نواب مجلس الأمة في سبيل كسب أصوات القمع المتزمّتة، حتى تأتي أنت في بيان وزارتك الأخير تذكّرنا بقيَمنا وعاداتنا وتقاليدنا الإسلامية، وتحذّر وتُنذر سكان هذه الدولة المبتلاة برياء ساستها من مواقع التواصل الاجتماعي وما يُنشر بها ما يعدّ مخالفة للنظام العام والآداب العامة؟
ليس من شأن وزارتك ولا إدارة شؤون الجرائم الإلكترونية التي تتبعك أن تعظَ الناس وتروعهم فيما يكتبونه وينشرونه في مواقعهم، مهمتكم هي تنفيذ حكم القانون، رغم أن مثل ذلك القانون المعنون بالجرائم الإلكترونية يشوبه العوار الدستوري، وهو وصمة في جبين حريات التعبير، خرج علينا في أحلك الظروف بالماضي. ليس مهمتك تربية خلق الله وتعليمهم الأخلاق والآداب، هذه مسألة تخص بيوت البشر وأهاليهم، وهي مسألة تربية وثقافة تعدّ من خصوصياتهم.
وإذا كانت هناك جريمة (تفرّدت بها تشريعات أفغانستان الخليج)، فعندها، وبعد الإبلاغ عنها، يمكنكم الجري وملاحقة الفاعلين، أما أن توصي في بيان الوزارة وتحضّ الناس كي يتجسسوا ويتصيّدوا على بعضهم، محققاً مقولة «كل مواطن جاسوس وليس خفيراً»، وكلها عبارات من إرث الدولة القمعية، فهذا غير مقبول من وزارتك ولا من أي وزارة في الدولة يُفترض أنها تمثّل حياد السلطة وليس ميلها ومزايدتها مع جماعات مهووسة دينياً تريد فرض الفضيلة كما تتصورها وتراها، أو ربما تريد إلهاء البشر عن قضايا خطيرة من تركيبة سكانية إلى أزمة سكن وأزمات أصحاب الدخول البسيطة المنسيين وواقع عديمي الجنسية وغياب الرؤية الاقتصادية للمستقبل.
كفاية علينا يا شيخ جماعات الأمر بالمعروف وعصيّهم في هذا المجلس، فلا تزايد عليهم، ودَع الناس وشأنهم، فما جاء في بيان وزارتك لا شأن له بالدولة ولا همومها الكبيرة..