قال تقرير «الشال» الأسبوعي إن عدم إصدار بنك الكويت المركزي بياناً يوضح فيه موقفه من عدم رفع سعر الخصم على الدينار بعد رفعه على الدولار وكل عملات دول مجلس التعاون، أمر غير مفهوم، معتبراً أن من واجب البنك إعلان نواياه بشأن سعر الخصم، وما إذا كان هناك رفع قادم، أم سيكون ثبات السعر هو القرار، على أن يشفع ذلك بتبريراته.
وأضاف التقرير أن «المركزي» سلطة مهنية ومحترفة، ويستحق كل الاحترام، وهو سلطة مستقلة تتخذ قراراتها بناء على حشد من المعلومات التفصيلية المتوافرة لديها؛ مؤكداً أن وظيفة البنك الحساسة تستوجب مراعاة أن تكون مخالفته في الرأي بحدود ضيقة، مع افتراض ترجيح صحة موقفه، «غير أن لنا في موقفه من عدم رفع سعر الخصم على الدينار، بعد رفعه على الدولار وكل عملات الخليج، رأياً مخالفاً، فنحن لا نتفق معه، ولكن نحترم قراره، وما لا نفهمه هو عدم صدور بيان يؤكد ذلك الموقف».
وذكر أن بيئة العمل ستظل مترددة في اتخاذ قرار؛ خوفاً من رفع قريب قادم، فصاحب الوديعة متردد، وكذلك المقرض والمقترض، حتى المتداول في البورصة، مشدداً على أن دور البنوك المركزية ـ مثلما فعل رئيس البنك الاحتياطي الفدرالي قبل قرار رفع الفائدة ـ هو اختصار مساحة المجهول أمام متخذ القرار في قطاع الأعمال إلى أقل الممكن، فأكبر أعداء القرار الصحيح هو اتساع تلك المساحة.
وفي سياق آخر، قال «الشال» إن أكثر المؤشرات خطورة هو تبني الحكومة مشروعات شعبوية مثل شراء الإجازات ومكافآت الصفوف الأمامية، وقبل ذلك تأجيل سداد أقساط القروض، مما شجع على التقاط بعض النواب قصب السبق ليفتح باب جهنم على المالية العامة، في وقت أبدى نواب آخرون وعياً وغيرة على مستقبل البلد من ضياع مؤكد، «ونقدر لهم تقديم استدامة الوطن على استدامة كراسيهم».
في تفاصيل الخبر:
ذكر تقرير «الشال» الاسبوعي أنه بتاريخ 7 الجاري، رفع بنك الكويت المركزي سعر الخصم على الدينار ب 0.50 بالمئة أو من 3.00 إلى 3.50 بالمئة، حدث ذلك مباشرة بعد اكتمال تشكيل مجلس إدارته، وكان قراراً صحيحاً في تقديرنا، وقلّص الفجوة وإن ظلت لمصلحة الدولار من 0.75 بالمئة - 1.00 بالمئة إلى 0.25 بالمئة -0.50 بالمئة.
وبتاريخ 14 الجاري، أصدر بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي قراره برفع سعر الفائدة الأساس على الدولار ب 0.50 بالمئة إلى ما بين 4.25 و-4.50 بالمئة، ذلك القرار أعاد الفجوة لمصلحة فائدة الدولار إلى 0.75 بالمئة -1.00 بالمئة.
تبع قرار «الفدرالي» زيادة أسعار الفائدة بنفس النسبة أي 0.50 بالمئة على عملات كل دول مجلس التعاون الخليجي الخمس الأخرى، ولم يتخذ بنك الكويت المركزي قراراً بالزيادة، ولم يصدر بياناً يشرح موقفه أو نواياه.
وقبل صدور قرار «الفدرالي» بالزيادة لأسعار الفائدة الأخير، كانت الأسواق حائرة بين من يرجح زيادة ب 0.50 بالمئة أو زيادة ب 0.75 بالمئة، ولكن قبلها بنحو أسبوعين، خرج رئيس «الفدرالي» في خطاب أكد فيه بداية تراخي الضغوط التضخمية، ليصبح إجماع التوقعات على أن الزيادة القادمة ستكون بالحد الأدنى.
بنك الكويت المركزي سلطة مهنية ومحترفة، ويستحق كل الاحترام، و»المركزي» سلطة مستقلة يتخذ قراراته بناء على حشد من المعلومات التفصيلية المتوافرة له، ولأن وظيفته حساسة، لا بدّ من مراعاة أن تكون مخالفته بالرأي بحدود ضيقة، مع افتراض أن احتمال أن يكون موقفه هو الصحيح هو الاحتمال الأرجح، وفي موقفه من عدم رفع سعر الخصم على الدينار بعد رفعها على الدولار وكل عملات دول مجلس التعاون، لنا رأي مخالف، فنحن لا نتفق معه، ولكن نحترم قراره، وما لا نفهمه هو عدم صدور بيان يؤكد ذلك الموقف.
وبيئة العمل ستظل مترددة في اتخاذ قرار خوفاً من رفع قريب قادم، فصاحب الوديعة متردد، والمقرض والمقترض مترددان، وحتى المتداول في البورصة متردد.
دور البنوك المركزية كما فعل رئيس البنك الاحتياطي الفدرالي قبل قرار رفع الفائدة هو اختصار مساحة المجهول أمام متخذ القرار في قطاع الأعمال إلى أقل الممكن، فأكبر أعداء القرار الصحيح هو اتساع مساحة المجهول، ونعتقد أن من واجب بنك الكويت المركزي أن يعلن نواياه بشأن سعر الخصم، وفيما إذا كان هناك رفع قادم، أم أن ثبات سعر الخصم هو القرار، مشفوعاً بتبريراته.
اقتصاد الكويت مجرد خيمة في طقس عاصف
لا يزال تقرير «الشال» يتطرق إلى برنامج الحكومة ويتناول هذا الأسبوع محور الاقتصاد والمال، ورأى أنه حتى صدور برنامج الحكومة في 28 نوفمبر 2022 «ليس في الكويت اقتصاد»، فمساهمة القطاع العام بشكل مباشر نحو 70% في ناتجها المحلي الإجمالي، وتوظف الحكومة أكثر من 83% من المواطنين وتدعم ما عداهم، وكل ذلك يعتمد على إيرادات النفط بشكل مباشر أو غير مباشر، أي مدخراته، التي استمرت تمول نفقات الموازنة العامة بنحو 90% على مدى 60 عاماً، وذلك يحصر الاهتمام «بالمال» أو الشق الثاني في المحور.
في التفاصيل، وفيما اقتصاد الكويت «مجرد خيمة في طقس عاصف»، فإن عمود تلك الخيمة الوحيد هو المالية العامة، وحتى ننجح في بناء اقتصاد في المستقبل، لابد من الحرص الشديد على سلامة ذلك العمود، ومحتوى أهداف برنامج الحكومة الحالية وسيل المشروعات الشعبوية النيابية، يحمّلان ذلك العمود أكثر بكثير مما يحتمل.
من أمثلة تلك الضغوط، ضرورة توظيف 96 ألف خريج خلال 4 سنوات، 85% منهم في القطاع العام أو نحو 82 ألف مواطن، على أمل أن يستوعب القطاع الخاص 14 ألف مواطن مع مخصصات دعم العمالة، بغض النظر عن توفر الوظيفة أو حتى السعة المكانية، وكان من أبسط المتطلبات في البرنامج احتساب إمكانات استدامة سوق العمل لأن القادمين إليه في تزايد، واستدامة المالية العامة معه.
وتنوي الحكومة تذويب القضية الإسكانية وفق سياسة التوسع الأفقي وبنسبة 75% بحلول عام 2026، أي بناء نحو 80 ألف مسكن، ولمثل هذا التوسع احتياجات مالية مباشرة مثل القروض السكنية، واحتياجات مالية غير مباشرة مثل البنى التحتية، وأبسط وظائف الحكومة هي حساب الإسقاط المالي على النفقات العامة وتأثيره المتبادل على تحقيق المستهدف إسكاناً.
ولدى الحكومة هدف معلن لتعديل التركيبة السكانية، وإلى جانب أن تحقيقه مستحيل مع وضع التمدد الأفقي الإسكاني، فما سوف تحصده من تناقض سياساتها هو تضخم غير محتمل في أجور العمالة يخلق ضغوطاً مالية في قطاع الإنشاءات وغيره وتأثيره على استدامة الماليات الخاصة للأسر سلبية وكبيرة.
وترغب الحكومة في التوسع في تقديم خدمات التعليم، وتكلفة التعليم الحكومي في الكويت باهظة، سواء في بناه التحتية، وجامعة الكويت مثالاً، أو تكلفة الطالب الجارية، ومثلها الخدمات الصحية مع وعد بالتوسع في إنشاء المدن الصحية وزيادة الطاقة الاستيعابية للمستشفيات القائمة، واستضافة مستشفى عالمي واحد على الأقل، وفي الوقت نفسه تتوسع في إشراك المواطنين في مشروعات التأمين الصحي في بلد فيه الخدمات الصحية مجانية، ورغم ذلك لا نجد معها أي إسقاط لمعرفة إمكانية تحقيق تلك الأهداف وضمان استدامة المالية العامة.
وتنوي زيادة جرعات الاستثمار لتنويع مصار الدخل في صناعات بتروكيماوية ومصاهر ألمنيوم ومشروع السكة الحديد واستكمال ميناء مبارك... إلخ، وكلها ضغوط على المالية العامة، يقابلها هدف متواضع بزيادة الإيرادات غير النفطية من 2.396 مليار دينار، في الحساب الختامي للسنة المالية الفائتة، إلى 3.500 مليارات دينار، ولا نعرف متى.
ولعل أكثر المؤشرات خطورة، هو تبني الحكومة مشروعات شعبوية مثل شراء الإجازات ومكافآت الصفوف الأمامية، وقبلها تأجيل سداد أقساط القروض، مما شجع على التقاط بعض النواب قصب السبق ليفتح باب جهنم على المالية العامة، وأبدى نواب آخرون وعياً وغيرة على مستقبل البلد من ضياع مؤكد، ونقدر لهم تقديم استدامة وطن على استدامة كراسيهم.
وما ينطبق على ما ذكرناه من مستهدفات متناقضة، ينطبق على كل مستهدفات المحاور الأخرى، وما سوف يحدث هو تكرار سيناريو عام 2020 عندما أعلنت الحكومة احتمال عجزها عن تحقيق أي شيء، شاملاً دفع الرواتب والأجور، وانفجر نزاع معلن بين وزيري المالية والنفط حينها حول أحقية أيّ من الوزارتين ب 7 مليار دينار كويتي تأخر قطاع النفط عن سدادها للخزينة العامة.
في أي دولة من دول عالم اليوم، لا تُطرح ضمن الخطة أو البرنامج مجموعة من الأهداف المتناقضة ما لم تكن محسوبة ضمن مصفوفات تبادلية تقدر تكلفة تحقيق تلك الأهداف وإمكانيات تلبيتها، ثم ترتب أولوية كل هدف وفق أهميته، أي تحقيق الممكن من كل هدف بدلاً من ضياع الكل، ومعه ضياع مستقبل أكثر من نصف المواطنين.
إن التحدي الحقيقي الذي يواجه البلد هو كيفية تغيير نهج اقتسام موارد البلد وتحويله إلى نهج ثابت لبنائها وضمان استقرار كل أجيالها، ذلك ما كان يفترض أن يكون صلب برنامج الحكومة.
وما زلنا ننتظر وعداً بتقديم رؤية تضمن الاستقرار المالي والاقتصادي، ولن نتأخر عن دعمها إن أخذت في الاعتبار تلك المآخذ، أما إن أثبتت أن تلك المآخذ التي ذكرناها غير صحيحة، حينها وجب علينا الاعتذار.