أحضروا «الحمير» إلى المشهد وبصورة تنم عن مكانة هذا الحيوان الموصوف بالصبر والطاعة... رواية الأديب السوري نبيل سليمان ومقالة الكاتب المتميز الزميل نزار العاني من أبناء الشام قادتاني إلى كتابة هذا المقال، عن تاريخ سورية المعاصر والحافل بالتراجيديا ومن وحي المعاناة التي عصفت وما زالت تعصف بهذا البلد العربي الصميم كان «الحمار» شاهد على مآسينا.

ففي رواية «تحولات الإنسان الذهبي» الصادرة حديثاً نتتبع مسارا جديدا بتقديم مادة معرفية عن الحمار وارتباطه بالإنسان، كما يصفه الزميل محمود شريح بجريدة «النهار» اللبنانية، فالأديب السوري يستند إلى 134 مرجعاً تتناول سيرة الحمير، ويسرد سيرته تاريخياً وبنفس ميثولوجي، ولا ينفي عنه صفة المساهمة في «النضال الوطني والقومي»، فأثناء الحصار الإسرائيلي على نابلس، كانت كتيبة من الحمير يصل مجموعها إلى ألفي حمار تعمل على كسر الحصار وتسهم بنقل المسافرين المسنين والبضائع.

Ad

ربما كانت الصرخة الموجعة والأكثر إيلاماً ما تقدم به الصديق الدكتور نزار العاني، وفي مقالة له بعنوان «من التجحيشة إلى التحشيشة» يقف إلى جانب من أنصف الحمار رغم تفوقه بالذكاء وفضائله في مملكته كمواطن منبوذ من الدرجة الثانية! وأكبر المنصفين المؤرخ «أرنولد توينبي» الذي جزم بأن الحمار هو من سبق التدجين لا الحصان! ثم يستحضر أهم كاتبين تناولا «سيرة الحمار»، وهما توفيق الحكيم وكذلك الحائز جائزة نوبل «خوان رامون» في كتابه «أنا وحماري».

ربط نزار العاني بين «التجحيشة» مفردها وبين «التحشيشة» نسبة إلى الحشيش، وبعد أن سرح في خياله متأملاً اعترف وبكامل قواه العقلية أن الأوضاع الحالية الشائكة في سورية تقتضي قبولنا، يقصد القراء ب«تحشيشته» المقترحة، وهي أن تضيف «الحكومة المجيدة» في سورية، الحشيش المدعوم على بطاقة المحروقات الذكية ومخصصات البنزين، فهو يرى أن يتناول كل مواطن سوري نفسين من سيجارة الحشيشة، ليطالب السنغاليين بعودتهم للشام (لمن غابت عنه المعلومة كان الجنود السنغاليون يعملون مع الجيش الفرنسي الذي احتل دمشق)، والمساعدة في الخروج من المأزق المعيشي والأمني الذي يعيشونه، وإلا فسيتم طردهم من كأس العالم الذي ستستضيفه سورية عام 3022 كما يتوقعها وبمزيد من التهكم والسخرية! عدد الحمير في العالم غير معروف تماماً، فهناك تقديرات لا إحصاءات رسمية، وهذا تقصير من الإنسان بحق هذا الكائن الذي أصابته المرارة من الظلم والاضطهاد الذي يعانيه، علماً أن عددها بحسب الأمم التحدة، كما يشير الزميل العاني، وصل إلى 45 مليون حمار حصتنا في الشرق الأسط وقارة آسيا بحدود 40%، منها 11 مليون حمار فقط في الصين لوحدها.

أعادتني هذه الأرقام و«الحالة الحميرية» إلى «جمعية الحمير» التي أنشأها الزميل أحمد شمس الدين، ووضع لها شروطاً صعبة للانضمام إليها، لكنه فشل بالحصول على ترخيص رسمي لإشهارها، وكان يشكو على الدوام من صعوبة معرفة «عدد الحمير» الباقية، وإن كانت الفرحة لا تفارق وجهه عندما يتقدم أحد الزملاء والأصدقاء بطلب الحصول على «العضوية الشرفية».

للتذكير يصادف اليوم العالمي للحمار 8 مايو من كل عام، وسيكون الاحتفال بهذا اليوم مناسبة لإنصافه وإعادة هيبته، التي حاول المتطفلون انتزاعها منه وحرمانه إياها.