«التمييز» تلغي فصل مستشار ب «الفتوى»: غلو وتفاوت صارخ بين العقوبة والحقيقة
• المحكمة أكدت اختصاص «الخدمة المدنية» بتأديب مستشاري الإدارة باللوم والفصل
في حكم قضائي بارز، قضت محكمة التمييز الإدارية، برئاسة المستشار د. عادل بورسلي، بإلغاء قرار إنهاء عمل مستشار في إدارة الفتوى والتشريع، واعتباره كأن لم يكُن، لمخالفته القانون.
وقالت «التمييز» إن إنهاء عمل مستشار نتيجة شبهة الإضرار بأموال الوزارة التي يمثّل الدفاع عنها، يتضمّن الغلو وعدم التناسب والتفاوت الصارخ بين ما تبيّن بحق المستشار الطاعن والعقوبة التي وقّعت عليه، فضلا عن آثارها السلبية على مستقبله الوظيفي، واضطراب حياته الاجتماعية والمعيشية، ولم يثبت أن تلك المخالفات كانت وليدة عمد أو إرادة آثمة.
وكانت إدارة الفتوى التشريع انتهت الى إصدار قرار بفصل مستشار بها إزاء ما نُسب اليه من إهمال وتقصير في مباشرة إحدى الدعاوى القضائية، لمصلحة وزارة المالية ضد إحدى الشركات، وقررت محكمة الاستئناف رفض دعواه، الأمر الذي دفعه الى الطعن أمام محكمة التمييز.
وقالت «التمييز»، في حيثات حكمها، إن الطعن أقيم على 6 أسباب ينعى بها الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، والقصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق، وينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول ما حاصله أن الحكم المطعون فيه خلص إلى اختصاص مجلس الخدمة المدنية كهيئة تأديبية بتأديبه على سند من أن القوانين المنظمة لشؤون أعضاء إدارة الفتوى والتشريع خلت من الأحكام المتعلقة بتأديبهم، بما يتعين معه الرجوع إلى أحكام قانون ونظام الخدمة المدنية، عملا بحكم المادة العاشرة من المرسوم بالقانون رقم 1977/14، ووفقا للمذكرة الإيضاحية لهذا القانون وما تضمّنه كتاب رئيس ديوان الخدمة المدنية إلى رئيس إدارة الفتوى والتشريع بشأن معادلة وظائف أعضاء الإدارة بدرجات الكادر العام، فإن وظيفة مستشار تعادل درجة وكيل وزارة، ومن ثمّ يعتبر شاغلا وظيفة قيادية، ويخضع لقواعد تأديب شاغلي الوظائف القيادية الواردة بالقانون العام، في حين أن هذه المعادلة لا تعدو أن تكون معادلة مالية فقط، وليست في طبيعة العمل والاختصاصات والصلاحيات، ولا تصلح وحدها معيارا لتحديد القواعد الحاكمة، لا سيما أن وظيفة مستشار مساعد تمت معادلتها ماليا - وفق كتاب مجلس الخدمة المدنية المشار إليه - بوظيفة وكيل مساعد، ومع ذلك لا يخضع شاغلوها لتلك القواعد، كما أن الوظائف القيادية بإدارة الفتوى والتشريع لا ترتبط بالدرجة الوظيفية فقط، وإنما بطبيعة الوظيفة واختصاصاتها، وقد تضمن الهيكل التنظيمي للإدارة تحديد هذه الوظائف، أما ما عداها من وظائف فنية فهي وظائف تكرارية، وبالتالي فإن شغل وظيفة مستشار بالإدارة لا يعني بذاته شغل وظيفة قيادية، وإنه يعمل عضوا عاديا بقطاع قضايا الاستئناف المدني والتجاري، ولا يشغل أي وظيفة قيادية، ومن ثم فإنه يتعين الرجوع إلى معيار موضوعي في تقرير قواعد وإجراءات التأديب واجبة التطبيق بشأنه ترتبط بطبيعة الوظيفة وصلاحياتها واختصاصاتها، ومن ثم تكون الأحكام المقررة بقانون ونظام الخدمة المدنية بشأن سائر الوظائف واجبة التطبيق، الأمر الذي يكون معه الحكم معيبا بما يستوجب تمییزه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، إذ إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن القاضي مطالب أصلا بالرجوع إلى نص القانون وإعماله على واقعة الدعوى في حدود عبارة النص، وأن الأحكام القانونية تدور مع علّتها وجودا وعدما، وأن مضمون النص لا يقتصر على المعنى المستمد من روح النص ومفهومه بإشاراته أو دلالاته، والذي يتم الكشف عن حقيقته بطرق التفسير المختلفة، فالنصوص التشريعية يجب ألا تحمل على غير مقصدها، وألا تفسر عباراتها بما يُخرجها عن معناها، وأن الأصل في تفسير النصوص القانونية التي تنظمها وحدة الموضوع واستخلاص دلالتها وتحديد المعنى الذي تغيّاه المشرع منها إنما يكون بإمعان النظر فيها باعتبارها وحدة واحدة متماسكة في معانيها متضافرة في مراميها يكمل بعضها بعضا.
حقوق وواجبات
وأضافت المحكمة: وحيث إنه إزاء خلو قانون إنشاء إدارة الفتوى والتشريع رقم 1960/12 من تنظيم مجال تأديب أعضاء الإدارة وخلو أحكام المرسوم بقانون رقم 1977/14 بشأن درجات ومرتبات القضاة وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع، وإحالة هذا القانون بموجب المادة العاشرة منه إلى قانون الخدمة المدنية فيما لم يرد بشأنه نص خاص في هذا القانون، وما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 1977/14 المشار إليه من أن وظيفة مستشار بإدارة الفتوى والتشريع تعادل وظيفة وكيل وزارة، وكذا ما تضمنه كتاب رئيس ديوان الخدمة المدنية المؤرخ 2004/4/6 إلى رئيس إدارة الفتوى والتشريع بشأن معادلة وظائف الإدارة بدرجات الكادر العام بأن وظيفة مستشار بإدارة الفتوى تعادل وكيل وزارة.
وتابعت: إعمالا لمبدأ تلازم الحقوق والواجبات، حيث يتمتع شاغلو وظيفة مستشار بالفتوى والتشريع بالمزايا المالية المقررة لشاغلي الوظائف القيادية على نحو ما ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 1977/14 المشار إليه، ومن ثم فإن من يشغل درجة مستشار بإدارة الفتوى والتشريع يعد شاغلا لوظيفة قيادية، ولما كان ذلك فلا مناص من استدعاء أحكام المرسوم بقانون بشأن الخدمة المدنية وكذلك المرسوم بنظام الخدمة المدنية بحسبانهما يشكلان الشريعة العامة في مجال الوظيفة العامة.
وأضافت: ولما كان المختص بتأديب شاغلي الوظائف القيادية مجلس الخدمة المدنية على نحو ما ورد بالمادة 62 من المرسوم بنظام الخدمة المدنية الصادر في ۱۹۷۹/4/4، والتي نصت على أن يختص مجلس الخدمة المدنية بتأديب شاغلي مجموعة الوظائف القيادية، وذلك بتوقيع عقوبتي اللوم والفصل من الخدمة... ومن ثم يكون القرار المطعون فيه رقم ۲۰۱۹/۲۷ والصادر عن مجلس الخدمة المدنية كهيئة تأديبية بالتفويض بمعاقبة الطاعن قد صدر ممن يملك سلطة إصداره، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد صدر متفقا وصحيح حكم القانون.
وذكرت: حيث إنه عن السببين الثاني والثالث وفي بيانهما يقول الطاعن ما حاصله ان الحكم المطعون فيه خلص إلى مشروعية قرار مجلس الخدمة المدنية (كهيئة تأديبية) بمعاقبته بالفصل من الخدمة، رغم ما شاب مسلك المجلس من انحراف بالسلطة ومخالفة الثابت بالأوراق، والذي تجلى في تجزئة المخالفات لزيادة عددها وتكرار الاتهام الواحد أكثر من مرة، ومخالفة قرار الإحالة الذي تضمن تحديد المخالفات المنسوبة إليه وتغيير أوصاف التهم، وإضافة تهمة جديدة هي تحرير إخطار بطلب المعلومات إلى جهة الإدارة باسم زميله رغم أن الأخير لم يكن هو الذي يباشر الاستئناف، وذلك بعد حجزه للحكم ودون أن يطلب من المحكمة فتح باب المرافعة في الدعوى، بما من شأنه أن يكون غير مجد، وقد عول عليها الحكم في قضائه، ووصمه بالكذب وفقدان الثقة والاعتبار، في حين أنه لم تتم مواجهته بها، كما أنها لا أصل لها لما جرى عليه العمل بإدارة الفتوى والتشريع من إرسال المخاطبات باسم العضو الأصلي الاختصاص
مخالفات إدارية
واستدركت المحكمة: كذلك فإن جميع المخالفات المنسوبة إليه إدارية لا تتعلق بسلوكه أو أخلاقه أو تمس سمعته أو اعتباره، ولا تتصل بعمله الأصلي، وإنما بعمل زميل آخر أسند إليه بشكل مفاجئ مباشرته وتسييره خلال فترة اجازته، مما يستحيل معه القيام به على الوجه الأكمل، إضافة إلى أنها تتعلق بمسألة قانونية تختلف فيها وجهات النظر، وقد ارتأى وفق خبرته القانونية أن صحيفة الدعوى كانت شاملة لجميع ما لدى وزارة المالية من معلومات ووقائع، وأن ما تم تقديمه من مستندات وأدلة كان كافيا، وأن ما جاء بصحيفة استئناف الشركة لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا في سلطة محكمة الموضوع، وساهم في هذا التقدير ضيق الوقت السابق على جلسة الاستئناف.
وقالت: كما أنه لا يسأل عن عدم إخطار الوزارة بصحيفة الاستئناف لأنه من الأعمال الإدارية المحضة التي يقوم بها سكرتير الدائرة الأصلي بالإدارة، فضلا عن قصور التحقيق عن فحص وتمحيص دفاعه سواء بشأن تأخير تسليمه ملف الاستئناف إلى قبل الجلسة المحددة لنظره كسبب لحصول المخالفة، أو مدى وجوب إخطار الوزارة بصحيفة الاستئناف في وقت معين وأهمية هذا الإخطار، إذ ارتأى كفاية المستندات والأوراق ومذكرات الدفاع المقدمة أمام محكمة أول درجة لدحض أسباب الاستئناف.
وبينت أن هذا النعي غير سديد، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن السبب في القرار التأديبي هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو اتيانه عملا من الأعمال المحرمة عليه، سلبا أو إيجابا، أو أن يسلك سلوكا معيبا ينطوي على تقصير أو إهمال في القيام بعمله أو في أداء واجبات وظيفته أو خروج على مقتضياتها أو إخلال بكرامتها أو بالثقة الواجب توافرها فيمن يقوم بأعبائها، وأن لمحكمة الموضوع سلطة مراقبة الأسباب التي بني عليها القرار من حيث الصحة ومدى استخلاص الأسباب من واقع الحال الذي تكشف عنه الأوراق وتقدير قيامها، وبحث الوقائع التي بني عليها القرار، بقصد التحقق من مطابقته أو عدم مطابقته للقانون، وهي من أمور الواقع التي تدخل في سلطة محكمة الموضوع بغير معقب عليها، مادام استخلاصها سائغا مستندا إلى أصل ثابت بالأوراق ويؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها.المخالفات المنسوبة إلى المستشار إدارية لا تتعلق بسلوكه أو أخلاقه أو تمس سمعته بل ترتبط بمسألة قانونية تختلف فيها وجهات النظر
وأفادت بأن خطأ السلطة التأديبية في وصف الوقائع المسندة إلى الموظف أو تكييفها لا يمنع من تصحيح هذا الوصف مادامت هذه الوقائع هي ذاتها التي اتخذت أساسا لقرار الجزاء، وأن التحقيق الذي تجريه الإدارة على النحو الذي يتطلبه القانون مستوف للقواعد الأساسية الواجب توافرها في التحقيقات عامة، وفي حدود السلطة المخولة لها قانونا في هذا الشأن، لا يبطله امتناع الموظف عن إبداء أقواله وبيان دفاعه فيه، لأنه يكون هو الذي فوت على نفسه هذا الحق فلا يلومن إلا نفسه، وأن الموظف مسؤول عن الإهمال والخطأ والتهاون أو الإخلال الذي يقع منه حال تأدية الأعمال الموكولة إليه، وأن كثرة العمل ليست من الأعذار التي تعدم المسؤولية الإدارية، ولو أخذ بها كذريعة لكل من يخل بواجبات وظيفته لأضحى الأمر فوضى ولا ضابط له، وأن المسؤولية التأديبية تتحقق سواء ترتب على عليها ضرر أم لا بحسبان أن المخالفة التأديبية تتحقق بكل خروج على واجب وظيفي أو إخلال بكرامة الوظيفة.
لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خلص بماله من سلطة فهم وتحصيل الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة والمستندات المقدمة فيها وكفايتها إلى أن التحقيقات التي باشرتها لجنة التحقيق مع الطاعن استوفت أركانها وضماناتها وأثبتت في جانبه التقصير والإهمال في مباشرة الدعوى، بما من شأنه الإضرار بأموال الدولة التي يمثلها، وتجسد ذلك التقصير والإهمال في الآتي:
1- عدم إخطار وزارة المالية بصحيفة الاستئناف لطلب المعلومات منها قبل الجلسة المحددة لنظر الاستئناف، أي قبل الجلسة المحددة لنظره بوقت كاف.
2- عدم إعداد مذكرة بالرد على صحيفة الاستئناف كدفاع لجهة الإدارة في الجلسة المحددة لنظره.
3- عدم طلب أجل للرد على صحيفة الاستئناف أو مذكرة الشركة المستأنفة المقدمة بذات الجلسة أو طلب حجز الاستئناف للحكم مع مذكرات، أو تقديم طلب فتح باب المرافعة بعد حجز الاستئناف للحكم دون رد منها، وصدور حكم فيه بجلسة 2018/6/27 بإلغاء حكم أول درجة المشار إليه.
4- عدم عرض الأوراق أثناء نظر الاستئناف على المستشار المشرف المختص بقضايا الضرائب بالمخالفة لقرار رئيس إدارة الفتوى والتشريع رقم 2016/402.
5 - تحريره إخطارا بطلب معلومات من وزارة المالية، وأن هذه المخالفات تشكل إخلالا منه بواجبات وظيفته وخروجا على مقتضياتها وانحدارا بمسلكه إلى ما لا يتفق والاحترام الواجب توافره في أقرانه، بما يستوجب معاقبته تأديبيا عنها، وكان الذي خلص إليه الحكم سائغا وله معينه الثابت بالأوراق، ويؤدي إلى النتيجة التي خلص إليها من غير مخالفة للقانون، وفيه الرد المسقط لما أثاره الطاعن من أن المخالفات المنسوبة إليه تتعلق بمسألة فنية وقانونية تخضع لتقديره مدى كفاية الأوراق والمستندات والمعلومات المقدمة في الدعوى، وأنه غير مختص بإخطار جهة الإدارة بصحيفة الاستئناف، لاسيما أنها تنطوي على إهدار صريح الأصول العمل وقواعده الأساسية وما نص عليه قرار رئيس إدارة الفتوى والتشريع بشأن الإجراءات الواجب اتباعها في شأن متابعة القضايا والقرار رقم 2016/402 بشأن العرض على المستشار المشرف المختص بقضايا الضرائب.
ورغم الأهمية والقيمة المالية الكبيرة لموضوع المنازعة، وهو ما لا يتصور أن يخفى على من هو في مثل درجته وخبرته، ولا يحاج فيما تقدم بما أثاره بشأن تغيير سلطة التأديب أوصاف التهم أو إضافة تهمة جديدة التهمة الأخيرة لم تتم مواجهته بها في التحقيقات، لما هو ثابت بالأوراق من أن كل التهم سالفة البيان لا تخرج عما تمت مواجهته به في التحقيقات، وما انتهى إليه تقرير اللجنة المشكلة لهذا الغرض، وأنه بخصوص المخالفة الأخيرة فقد أقر في التحقيقات بإرساله إخطار معلومات لوزارة المالية بعد حجز الاستئناف للحكم، وأنه حين سئل عن سبب تحرير اسم زميله في هذا الإخطار، رغم أنه هو من باشر الاستئناف امتنع عن الإجابة، ومن ثم فقد فوت على نفسه الحق في الدفاع، كما لا يحاج أيضا بما أثاره بشأن كثرة الأعمال الموكولة إليه، لأنها ليست عذرا معفيا من المسؤولية الإدارية، أو زوال الضرر بصدور حكم محكمة التمييز بتمييز حكم الاستئناف وتأييد الحكم الابتدائي، لأن المسؤولية التأديبية للموظف تتحقق بكل خروج على واجب وظيفي أو إخلال بكرامة الوظيفة، سواء ترتب أو لم يترتب عليه ضرر.مرسوما «الخدمة المدنية» ونظامه يشكلان الشريعة الأساسية في مجال الوظيفة العامة
وأخيرا لا يحاج بقوله إن قرار رئيس «الفتوى والتشريع» بمنح زميله اجازة دورية أثناء العام القضائي هو ما تسبب في حدوث المخالفات، إذ لا تجوز مساءلة الإدارة عن تمكين الموظف من حقه في الحصول على اجازته الدورية طالما لم تكن ثمة مخالفة للقانون أو إساءة لاستعمال السلطة أو انحراف بها عن الصالح العام، كما لا يعد ذلك، في كل الأحوال، سببا لإعفائه من المسؤولية الإدارية عن بديهيات العمل وما ثبت في حقه يقينا من مخالفات، ومن ثم فلا مطعن على الحكم المطعون فيه إن التفت عن أوجه دفاعه في هذا الخصوص، الأمر الذي يضحى معه النعي بهذا السبب أيضا- برمته على غير أساس.
مخالفات منسوبة
وبينت المحكمة حيث انه عن السبب الرابع من أسباب الطعن وفي بيانه يقول الطاعن ما حاصله - إن العقوبة السابقة والموقعة عليه شابها الغلو والشطط وعدم تناسب مع المخالفات المنسوبة إليه، والتي لا تخرج في مجموعها عن كونها مخالفات إدارية، ومن الأمور المعتادة في العمل اليومي لمحامي الدولة، ولا يوجد لهذه العقوبة سابقة في تاريخ «الفتوى والتشريع»، بما يشوب القرار المطعون فيه بعدم المشروعية، وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن السبب في القرار التأديبي - بوجه عام هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته، أو اتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه، سلباً أو إيجاباً، أو أن يسلك سلوكاً معيباً، ينطوي على تقصير أو إهمال في القيام بعمله، أو في أداء واجبات وظيفته، أو خروج على مقتضياتها، أو إخلال بكرامتها، أو بالثقة الواجب توافرها فيمن يقوم بأعبائها، وكان من المقرر أنه للجهة المختصة بالتأديب سلطة تقدير خطورة الذنب الإداري، وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها في ذلك، إلا أن يشوب تقديرها الغلو، الذي من صوره عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري ونوع الجزاء ومقداره وللقضاء التحقق من سبب القرار، ومن صحة الوقائع التي بني عليها، وصحة تكييفها القانوني، ومن ملاءمة الجزاء وتناسبه مع المخالفة الثابتة في حق الموظف، ليكون الجزاء عادلاً، واستخلاص ذلك هو مما تستقل بتقديره محكمة الموضوع، بلا معقب عليها، بما لها من سلطة في فهم وتحصيل الواقع في الدعوى، إلا أن شرط ذلك أن يكون استخلاصها سائغاً، له سنده الثابت بالأوراق، ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها.
وقالت المحكمة: حيث إنه عن الاستئناف رقم 2020/33 إداري/4 - وفي حدود ما تم تمييزه - ولما تقدم يتعين القضاء بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة المستأنف ضده بعقوبة الفصل من الخدمة، ويسترد مجلس الخدمة المدنية كهيئة تأديبية سلطته في تقدير العقوبة المناسبة التي تتناسب مع ما ثبت من مخالفات على النحو سالف بيانه.«المستشار» وظيفة تعادل درجة وكيل وزارة وتعتبر «قيادية» وتخضع لقواعد تأديب القياديين في القانون العام
مشروعية العقوبة |
أكدت «الدستورية» أن المخالفة المنسوبة إلى الطاعن مدارها التقصير والإهمال في مباشرة دعوى بما من شأنه الإضرار بأموال الوزارة التي يمثلها، وهي مخالفة على الرغم من درجة خطورتها، فإن العقوبة التي قدرتها سلطة التأديب بفصله من الخدمة يشوبها الغلو، وعدم التناسب والتفاوت الصارخ بين ما ثبت في حق الطاعن، وبين العقوبة التي وقعت عليه، فضلا عن آثارها السلبية على مستقبله الوظيفي، واضطراب حياته الاجتماعية والمعيشية، لا سيما أنه لم يثبت أن تلك المخالفات كانت وليدة عمد أو إرادة آثمة، إذ إن مدارها التقصير والإهمال في مباشرة الاستئناف رقم ۲۰۱۸/۹۸۳ تجاري مدني حكومة، فضلا عن صدور حكم محكمة التمييز بتمييز حكم الاستئناف المشار إليه، وتأييد الحكم الابتدائي، وينبني على ذلك أن تقدير العقوبة يخرج من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية، ومن ثم يخضع لرقابة هذه المحكمة. ورأت أن معيار عدم المشروعية في هذه الصورة ليس معياراً شخصياً، بل معيار موضوعي قوامه أن درجة خطورة الذنب الإداري لا تتناسب مع نوع الجزاء ومقداره، وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى أن القرار محل الطعن قام على سببه الصحيح الذي يبرره من غير غلو، فإنه يكون قد جانبه الصواب وصحيح القانون، فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بعقوبة الفصل من الخدمة فقط باعتبار أن هذا القرار صادر من المختص بإصداره مجلس الخدمة المدنية كهيئة تأديبية. وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن أساس مسؤولية الإدارة عن القرارات الإدارية الصادرة عنها هو وجود خطأ بأن يكون القرار غير مشروع، وأن يحيق بصاحب الشأن ضرر، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر، ولما كانت هذه المحكمة قد خلصت على نحو ما سلف بيانه إلى مشروعية القرار محل طلب التعويض الماثل المطعون عليه لصدوره من مختص بإصداره متفقا وصحيح حكم القانون رغم تمييزه جزئيا - على نحو ما سلف - بيانه مما ينتفي معه ركن الخطأ اللازم لقيام مسؤولية الإدارة عن قراراتها، ومن ثم تنتفي مسؤوليتها دون حاجة إلى بحث كني الضرر وعلاقة السببية لعدم جدوى بحثيهما، ويضحى طلب التعويض فاقدا لسنده القانوني الصحيح يتعين رفضه، وإذ إلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون متفقا وصحيح حكم القانون ويكون النعي عليه بما ورد بهذا السبب على غير أساس. |