مرافعة: وكلاء بالخصومة!
تمثيل المحامي لموكليه أمام المحاكم وجهات التحقيق يقوم على فكرة الوكالة بالخصومة بهدف القيام بأعمال لمصلحة الموكل، وبما يضمن الدفاع عن حقوقه ومصالحه القانونية.
ومثل هذا التمثيل القانوني أمام القضاء لا يعبر عن موقف عدائي من المحامين تجاه الخصوم أو العكس، بل يوجب على المحامي الالتزام بجملة من الضوابط القانونية والأخلاقية للدفاع عن حقوق موكليه وعن مصالحهم، أهمها أمانة القسم والإخلاص في أداء المهام وفق ما تقتضيه قواعد شرف مهنة المحاماة.
إلا أن هناك واقعاً يعيشه المحامون يتمثل في اعتبار تمثيلهم بالدعاوى القضائية أمام المنصة هو امتداد لحالة العداء الشخصي لموكليهم، وهو ما يترك أثراً في نفوس الخصوم الذين يمثل أمامهم المحامي، معتبرين الأخير خصماً لهم أسوة بخصمهم الأصيل.
وحالة العداء للمحامي لمجرد تمثيله لأحد الأطراف في خصومة مدنية أو دفاعه عن متهم في دعوى جزائية يجب فهمها بأن تكون في سياق العداء الوقتي أمام المنصة، الذي ينتهي بمجرد فض المبارزة القانونية التي يقودها المحامي مع محامي الخصم أمام منصة القضاء، والتي لا يمكن أن تمتد لأبعد من ذلك، لأن ما يقوم به المحامي يبقى عملاً فنياً ومهنياً، ويجب فهمه واعتباره من قبيل الرخص التي يستعين بها الخصم للدفاع عن حقوقه مثلما كفل القانون للطرف الآخر من الدعوى الاستعانة بمحامٍ يتولى مهمة الدفاع عنه.
والمحامي وفي سبيل أداء أمانة الدفاع وبراً بقسمه لا يمكنه إلا أن يقوم بواجبه المهني والأخلاقي والقانوني للدفاع عن مصالح موكله حتى لو كلفه ذلك نقداً أو امتعاضاً من خصومه أو أقربائه لمجرد وجوده في هذا المركز القانوني للخصومة.
يجب فهم أن المحامي لا يختار خصومه مثلما لا يختار موكليه بعناية متناهية، فتمثيل المحامين للأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين أمام القضاء وجهات التحقيق أو التحكيم أو التسوية عمل يتلقى بموجبه المحامون أجراً نظير الجهد والخدمات التي يقدمونها.
ومثل هذا الفهم يجب أن يسود في مخيلة القانونيين قبل العامة، إذ إن ما يقدمه المحامون هو عبارة عن خدمات مرتبطة بتقديم الدفاع والرأي والمشورة وإبراز الحلول القانونية ورد المضار عمن يمثلونهم، وهو فهم يجب أن يسود في المجتمعات التي يسودها القانون والعدالة.