دمج الهيئات... محاولة لتخفيف «الشحم الزائد» في الجهاز التنفيذي
• عددها يتجاوز 40 جهازاً وهيئة حكومية أُنشئ نصفها في آخر 20 سنة
• معظمها ذو اختصاصات متشابهة عمّقت البيروقراطية وأخفقت في مهمتها
التوجه الحكومي لدمج ثلاث مؤسسات مختلفة، هي «الجهاز الفني لبرامج التخصيص، وهيئة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مع هيئة تشجيع الاستثمار المباشر»، إلى جانب طرح فكرة «إلغاء الهيئة العامة للطرق والنقل البري وعودتها كقطاع لهندسة الطرق في وزارة الأشغال العامة»، فتح الباب واسعاً لتقييم العديد من الهيئات والأجهزة الحكومية التي يتجاوز عددها 40 جهة حكومية، نصفها أنشئ خلال ال 20 سنة الأخيرة.
فمعظم هذه الهيئات والأجهزة الحكومية، خصوصاً ذات الارتباط بالشأن الاقتصادي، فرّغت وزارات الدولة من معظم اختصاصاتها، وفي المقابل لم تُحدِث أي تطور في عملها أو الغرض الذي أنشئت من أجله، فالجهاز الفني لبرامج التخصيص الذي أسس عام 2015 لم ينجز أي مشروع لخصخصة أي كيان حكومي لو كان حجمه محدوداً جداً، أما هيئة مشروعات الشراكة فلم تتمكن منذ تأسيسها عام 2014 إلا من تأسيس شركتين بنظام الشراكة من أصل 11 مشروعاً كمترو الكويت وتطوير جزيرة فيلكا وشركتي شمال الزور الثانية والثالثة للكهرباء والخيران للمياه لا تزال قيد البحث والطرح والاستشارة منذ سنوات، بل إن هيئة تشجيع الاستثمار المباشر «الأجنبي» التي ستضم كياني الشراكة والتخصيص تحت مظلتها تعاني أصلاً منذ تأسيسها عام 2013 من تدني نسبة استقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد بنسبة لا تتجاوز 0.5 في المئة مقارنة مع ما تستقطبه دول الخليج الأخرى من استثمارات أجنبية سنوياً.
اختصاصات متشابهة
ولا شك أن هناك قائمة واسعة من الهيئات والأجهزة الحكومية التي تستحق أن يشملها الدمج أو الإلغاء على غرار ما حدث عام 2019 من دمج برنامج إعادة هيكلة القوى العاملة مع الهيئة العامة للقوى العاملة، وهما من حيث الاختصاص يفترض أن يكونا تحت مظلة ديوان الخدمة المدنية، وهذا يشمل العديد من الجهات الأخرى ذات الاختصاصات المتشابهة كوزارة الدولة لشؤون الشباب مع الهيئة العامة للشباب، التي انفصلت عن هيئة أخرى هي الهيئة العامة للرياضة عام 2017، إلى الجهاز المركزي لتكنولوجيا المعلومات الذي يضم اختصاصات شبه متطابقة مع اختصاصات الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات أو الهيئة العامة للعناية بطباعة ونشر القرآن الكريم والسنة النبوية التي تمارس اختصاصاً أصيلاً لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
تكامل اختصاصات
وحتى في الجانب الإداري والمالي للدولة، فإن عمل جهاز المراقبين الماليين يعتبر مكملاً لجهاز آخر، هو جهاز متابعة الأداء الحكومي وتتداخل في اختصاصاتهما، في جوانب معينة، الهيئة العامة لمكافحة الفساد، وفي كل الأحوال ثمة مؤسسة قائمة تتولى اختصاصات تسبق مهام هذه المؤسسات كلها بعقود وهي ديوان المحاسبة، التي تشمل مخالفاته وملاحظاته كل قطاعات مؤسسات الدولة مالياً وإدارياً دون أن تمارس الأجهزة التنفيذية عملاً جدياً لتلافي تكرارها سنوياً، علاوة على تكامل اختصاصات وحدة التحريات المالية، التي أسست عام 2013، وهي بالمناسبة تكاد يكون نصف عمرها بلا رئيس أصيل لها، مع اختصاصات بنك الكويت المركزي فيما يتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
الإخفاق والنجاح
وربما يظل الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة علامة للإخفاق الأبرز على صعيد الهيئات الحكومية، فالصندوق الذي أسس عام 2013 برأسمال يبلغ ملياري دينار، بهدف خلق فرص عمل للكويتيين في القطاع الخاص، بعيداً عن التكدس في القطاع الحكومي وزيادة نسبة مشاركة هذه المشروعات في الاقتصاد المحلي، لم ينجح في خلق سوق عمل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة يخفف الضغط عن القطاع العام ولا في طرح حلول لجوهر تحديات هذه المشاريع كالتمويل وتوفير الأراضي، ولم يكن له أي دور في معالجة أوضاع المتضررين من أصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة خلال جائحة كورونا إذ انشغل منذ تأسيسه بصراعات القياديين واستقالة المديرين - استقال نحو 6 مديرين - مما أثر سلباً على أعمال الصندوق وأوضاع عملائه.
أما أفضل الهيئات الحكومية التي تأسست خلال ال 20 عاماً الأخيرة فهي هيئة أسواق المال التي تمكنت من ترقية بورصة الكويت إلى مؤشرات الأسواق الناشئة، إلى جانب دورها في ضبط المتلاعبين وعقابهم على مستوى المتداولين والشركات.
عصا سحرية
ربما يتساءل البعض، ما الذي يضمن أن تكون مشاريع دمج أو تقليص الهيئات الحكومية وسيلة مؤكدة لمعالجة إخفاق هذه المؤسسات في أعمالها؟
في الحقيقة، فإن دمج الهيئات الحكومية أو تقليصها ليس العصا السحرية لمعالجة أوضاعها، إنما بداية ضرورية، لأنه من ناحية يقلص مصروفاتها ويخفف أعباء الجهات الحكومية، ومن ناحية أخرى يمنع تشابه الاختصاصات بما يقلل من بيروقراطية اتخاذ القرار ويرفع كفاءة التنفيذ شرط تبني سياسات حوكمة وشفافية وفقاً لبرنامج تنفيذي اقتصادي، علاوة على أن الدمج والتقليص سيقللان من حجم وجود قياديين غير أكفاء يتولون أعمال هذه الهيئات بصورة مستقلة بدرجات متفاوتة عن الوزير المعني، وفي كل الأحوال يكون بمنزلة رسالة لكل قطاعات الدولة بأن عمليات إعادة الهيكلة يمكن أن تكون واحدة من الحلول لمتابعة الإخفاق في تنفيذ أعمال الجهات لاختصاصاتها، وأيضاً وسيلة لتخفيف «الشحم الزائد» في الجهاز التنفيذي للدولة.
سياسة عامة
ومن المهم أن يكون العمل على تقليص الهيئات نابعاً من سياسة عامة لمجلس الوزراء لا قراراً فردياً لوزير أو قيادي، فضلاً عن أن يكون قرار التقليص مرتبطاً بتقييم أعمال الهيئات، فيشمل الدمج والتقليص والإلغاء كل من قصّر في عمله أو أخفق في المهام الموكلة إليه، مع تعزيز دور الهيئات الناجحة التي لا يتعدى عددها واحدة أو اثنتين، فضلاً عن العمل على دعم دور الوزارات، خصوصاً ذات الشأن الاقتصادي بدلاً من تفريغها من اختصاصاتها بهيئات لا تحقق الغرض من إنشائها.