مثلث التفاهة
حالنا السياسي اليوم «مديوكراتك» أي حال غير أصيل، ساذج، خاوٍ، لا يوجد خبر إعلامي من الصحف اليومية عما يجرى عند الكبار، الكل «خاموش» أي لا أسمع ولا أتكلم ولا أرى بطريقة القرود الثلاثة، مع أننا نسمع ونرى عن أزمة سياسية في السلطة، ويرافقها غياب رؤية لتشخيص علل مزمنة في النهج السياسي الحاكم المتمثل في انفراد الرأي مع تشتت في اتخاذ القرار الحاسم.
د. مشاعل الهاجري ترجمت كتاب د. ألان دونو بعنوان نظام التفاهة، وكتب عن الكتاب د. حامد الحمود في «القبس»، وإذا كان المؤلف يتحدث عن أن التفاهة في دول رأسمالية متقدمة بعد أن أضحت الحياة رهينة للشركات والمؤسسات الضخمة الخاصة، وسُلِّعت من الفرد وهي مسألة حللها نعوم تشومسكي وغيره في كتب وأبحاث عدة، فإن مشاعل الهاجري في مقدمتها الرائعة لترجمة الكتاب تحور وتسقط رؤية المؤلف على واقعنا العربي، فمقولات خطابية مثل صالح لكل زمان ومكان، هي من سمات نظام التفاهة، وهي ترجمت ذلك الكتاب لتشخص «موجات التسطيح وغياب العقل النقدي ووهم الكاريزما» كأنها تكتب عن حالنا الاجتماعي - السياسي اليوم.
هي ظاهرة التفاهة نحيا في أقصى نقطة بأعماقها هذه السنوات، ظاهرة بمعنى أننا ندركها بحواسنا وتتراكم بوعينا عبر خبراتنا في الوجود، إلا أننا أمام تحريم سلطوي وتكتيم في الكلام عنها، خلافات عميقة بجوف السلطة الحاكمة مسكوت عنها في عالم البخاصة، محاربة شجرة الميلاد وإعلان الحرب الاستباقية لرأس السنة الجديدة، وخداع الذات في المزايدة على التقاليد والدين والسباق بين المجلس والحكومة في مشاعر التسطيح تلك يكون دائماً على حساب القضايا الجدية الخطيرة التي تواجه الدولة اليوم وفي الغد، وبعد أن يزول مخدر الريع النفطي، ظاهرة التفاهة نكاد أن نلمسها باليد بكل صغيرة وكبيرة تمر علينا من لحظة خروجنا من المنازل كي نعبر جنون الطرق لممارسة أعمالنا غير المنتجة إلى حين نخلد للنوم، لنعود من جديد في صباح آخر إلى خواء المعنى في دنيا التفاهة... هل لنا من منقذ من مثلث التفاهات؟!