ما بعد «سهل» ليس كما قبله... الكويت تتقدَّم

نشر في 21-04-2025
آخر تحديث 20-04-2025 | 21:07
 د. حمد محمد علي ياسين

مَنْ كان يتخيَّل أن المعاملات الحكومية التي كانت تستنزف أياماً من المشاوير والأوراق والانتظار، يمكن إنجازها اليوم في دقيقة واحدة، ومن دون أن نُغادر منازلنا؟ مَنْ كان يظن أن مشهد الزحام في أروقة الوزارات ومراكز الخدمة سيُستبدل بشاشة هاتف وبضع كبسات؟ هذا ما فعله تطبيق «سهل»، الذي لم يُطلق خدمة فقط، بل دشَّن مرحلة جديدة في علاقة المواطن بالدولة، وفتح بوابة الكويت الحقيقية إلى المستقبل الرقمي.

في الخامس عشر من سبتمبر 2021، شهدت الكويت إطلاق تطبيق «سهل» الحكومي تحت رعاية سمو الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، حفظه الله، رئيس مجلس الوزراء آنذاك. كان ذلك خلال فعالية رسمية حملت رسائل واضحة: أن الكويت ماضية في التحوُّل الرقمي، وأن زمن الوقوف في الطوابير بدأ ينتهي.

منذ إطلاقه، استطاع «سهل» أن يغيِّر المشهد الإداري في البلاد. التطبيق الذي يجمع تحت مظلته أكثر من 37 جهة حكومية، ويقدِّم ما يزيد على 400 خدمة، بات اليوم جزءاً من يوميات أكثر من 2.6 مليون مُستخدم. وخلال أقل من ثلاث سنوات، أُنجزت من خلاله أكثر من 79 مليون معاملة إلكترونية. هذه الأرقام ليست فقط مؤشرات نجاح رقمي، بل هي تعبير واضح عن حجم الفرق، الذي أحدثه هذا المشروع النوعي في حياة الناس وفي أداء مؤسسات الدولة.

لكن الأثر الحقيقي لتطبيق «سهل» يتجاوز اختصار الوقت وتقليل الزحام. إنه مشروع نوعي غيَّر العقلية الإدارية، ورفع سقف توقعات المواطن من الخدمات الحكومية، وفرض على المؤسسات أن تُعيد النظر في كفاءة أنظمتها وسرعة استجابتها. لقد جعل من الخدمة الحكومية تجربة أكثر شفافية، وأكثر بساطة.

والأهم من كل ذلك، أن «سهل» ليس مجرَّد منصة تقنية، بل هو كنز معلوماتي ضخم، ومنجم ذهب لا يُقدَّر بثمن في عصر الاقتصاد القائم على البيانات. كل عملية تُنفذ عبر التطبيق تسجل موقعاً وزمناً ونوعاً وسلوكاً. هذه البيانات، إذا ما تم تحليلها واستثمارها بشكل منهجي، يمكن أن تُسهم في بناء سياسات عامة أكثر دقة، وتُساعد في فهم سلوك المُستخدمين، وتُحدد نقاط الضعف في أداء المؤسسات، وتُرسم من خلالها خرائط ذكية للتوزيع الجغرافي للخدمات. كما يمكن أن تكون هذه البيانات حجر الأساس لدراسات بحثية في مجالات التحوُّل الرقمي، والاقتصاد السلوكي، والحوكمة الإلكترونية، وكفاءة الإنفاق العام.

ما نحتاجه اليوم هو بناء وحدة وطنية لتحليل البيانات المرتبطة بـ «سهل»، تتعاون فيها مؤسسات الدولة مع الجامعات والمراكز البحثية، لتكون مخرجات هذا التطبيق أداة لتحسين السياسات، لا فقط وسيلة لإنهاء المعاملة.

«سهل» هو قصة نجاح كويتية بامتياز. مشروع حكومي يُحتذى به، لأنه لم يأتِ ليرقِّع واقعاً، بل ليُعيد صياغته. هو بداية الطريق نحو حكومة ذكية، ومجتمع رقمي أكثر كفاءة. فلنحافظ عليه، وندعمه، ونجعل منه أساساً لمنصات رقمية قادمة، تواكب طموح وطن لا يرضى بأقل من التميُّز.

back to top