يتم التطرق إلى مفهوم اللجوء واللاجئين منذ عدة عقود. ونقرأ عن اللاجئ السياسي، واللاجئ الاقتصادي، واللاجئ المناخي. ونشهد اليوم نقاشاً عن «اللاجئ العلمي» وبخاصة بعد التوجهات الأخيرة للإدارة الأميركية الجديدة بخصوص الجامعات الأميركية العريقة ومراكز البحوث والدراسات التي أصبحت هدفاً لتقليص الدعم المالي الفدرالي والقيود المفروضة على العلماء والباحثين ومن بينها حرية التعبير واتخاذ المواقف بخصوص عدد من المفاهيم والحريات والأوضاع الاجتماعية.

وتنتهز بعض البلدان الأوروبية الفرصة لجذب العلماء والباحثين ومن الولايات المتحدة الأميركية بالذات بقصد توفير المناخ المناسب لهم لمتابعة أبحاثهم وأعمالهم ومشاريعهم في القارة العجوز. وتأتي فرنسا في مقدمة هذه البلدان الأوروبية من خلال الدعوة التي وجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبحسب ما جاء في صحيفة اللوموند الفرنسية الصادرة في 18 أبريل، للعلماء في العالم بقصد «اختيار» فرنسا وأوروبا، واقترح أيضاً موعداً للقاء بباريس في 5 مايو بقصد جذب الباحثين الأميركيين المهددة مشاريعهم في الولايات المتحدة الأميركية. كما تم إحداث منصة باسم «اختار فرنسا للعلم» كخطوة أولى استعداداً «لاستقبال العلماء الدوليين»، مع التركيز على مواضيع بحثية مهمة وحيوية مثل: الصحة، والمناخ، والتنوع البيولوجي، والرقمي، والذكاء الاصطناعي، والفضاء، والزراعة.

Ad

وقامت بعض الجامعات الفرنسية بمبادرات علمية وعملية في هذا الخصوص، حيث وجهت على سبيل المثال جامعة مرسيليا بجنوب فرنسا الدعوة في شهر مارس المنصرم لعدد من العلماء والباحثين الأميركيين الذين من المتوقع وصول عدد منهم لفرنسا في يونيو المقبل في نطاق برنامجها «احجز مكاناً للعلم» وخصصت له ميزانية ما بين 600 إلى 800 ألف يورو لكل باحث ولمدة ثلاث سنوات.

وبادر، من طرفه، الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، الذي أعيد انتخابه نائباً في الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)، بتقديم مشروع قانون لهذه الجمعية بقصد تأسيس وضع خاص لما سيُعرف باسم «اللاجئ العلمي» يسمح بجذب الباحثين الأميركيين المهددة أعمالهم ومشاريعهم في الولايات المتحدة الأميركية.

والسؤال المطروح الآن: هل ستسعى الدول العربية وبخاصة الدول الخليجية بالإمكانات الاقتصادية والمالية والتقنية المتوافرة في جامعاتها ومراكزها البحثية لجذب هؤلاء العلماء والباحثين من القارة الأميركية وحتى من غيرها من القارات، وتوفر لهم الإمكانات والفرص للعمل فيها والاستثمار في جامعاتها ومشاريعها ومستقبل شبابها؟ ونرى بأنه يجب أن يرافق هذا السعي، سعي آخر لا يقل أهمية وهو التمهيد لعودة العقول المهاجرة إلى أوطانها ومتابعة العمل والبحث والانتاج في جامعاتها ومراكزها.

لقد توقف العالم الجديد، ولو مؤقتا، عن جذب أصحاب الطموح والآمال العريضة والأحلام الكبيرة، ولم تعد أميركا في المخيلة أيامنا هذه كما كانت في النصف الثاني من القرن العشرين، ولعل الفرصة متاحة الآن للاستثمار والعمل والبناء في بلدانا العربية.

* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا