في لبنان، تنقسم السياسة إلى مشهدين، الأول داخلي والثاني خارجي. داخلياً، الفراغ الرئاسي مستمر، فيما تعمل قوى متعددة على تعبئة الوقت سياسياً من خلال تحركات مختلفة، أبرزها التحركات التي يقوم بها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، من خلال اللقاءات التي يعقدها، مع رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وكذلك يسعى باسيل، حسبما تقول مصادر قريبة من التيار الوطني الحر إنه سيعقد لقاء جديدا مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، إضافة إلى لقاءات أخرى غير معلنة.
ويسعى باسيل، بحسب المصادر، من خلال هذه اللقاءات، إلى مواكبة مسار خارجي حول لبنان، إذ إن الرجل لديه معطيات حول ما يحصل في الخارج، والاستعداد للبحث عن تسوية جديدة قد تحتاج إلى وقت، لكنه يفضل تجميع كامل أوراقه في الداخل، وهو يقول للجميع نقطتين أساسيتين، الأولى أنه لا يمكن لأحد تجاوزه في المعادلة، والثانية يريد بلورة موقف واضح وبعدها البحث مع حزب الله فيما أحرزته حركته.
الأهم بالنسبة إلى باسيل هو قطع الطريق على انتخاب فرنجية وقائد الجيش جوزيف عون، وترشيح شخصية جديدة، وهنا تقول المصادر القريبة من باسيل إن لقاءه مع فرنجية يثبت أن المشكلة غير شخصية، ولكن تتصل بعدم القدرة على إنجاز الإصلاحات المطلوبة، لذا هو يبحث عن مرشح مقبول من الجميع وقادر على انجاز الإصلاحات.
وحسبما تقول مصادر متابعة، فإن لقاءات باسيل مع جنبلاط، فرنجية، وميقاتي لم تؤد الى أي نتائج إيجابية، فيما غابت السياسة عن اللقاء مع فرنجية، بينما اتفق على تشكيل لجنة متابعة مع جنبلاط. يريد باسيل حمل نتاجات لقاءاته والذهاب بها الى حزب الله للقول إنه رجل حوار ولا يمكن تجاوزه في الاستحقاق الرئاسي وبالتالي لا يمكن فرض مرشح لا يريده عليه.
في موازاة هذه الحركة، التي لم تحقق أي تقدم فعلي حتى اللحظة، ينتظر اللبنانيون انعقاد اجتماع رباعي في العاصمة الفرنسية باريس بعد نحو 20 يوماً. هذا اللقاء سيشارك فيه ممثلون عن الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، قطر.
وتقول مصادر دبلوماسية عربية إن الاجتماع كان يفترض أن يحصل بين عيدي الميلاد ورأس السنة، ولكن تم الاتفاق على تأجيله إلى منتصف شهر يناير لضرورات سياسية ولوجستية، ومن هذه الضرورات زيادة منسوب التنسيق السعودي القطري حول الملف اللبناني.
ويمكن لهذا الاجتماع أن يبحث في إمكانية عقد اجتماع لبناني للقوى السياسية المختلفة قد تستضيفه الدوحة للحوار، لكن هذا يتحدد وفق مسار الأمور وإمكانية تحقيق نتائج إيجابية. يأتي هذا الاجتماع بعد سلسلة تحركات حصلت على خط هذه العواصم، ولقاءات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الدوحة خلال المونديال أو في قمة بغداد 2 التي عقدت في الأردن.
وهنا تجمع مصادر دبلوماسية عربية وغربية على أن الجميع يعول على هذا الاجتماع الذي ستشهده باريس، لأنه يفترض أن يحدد مسارات الأمور وإمكانية الوصول إلى النتائج المطلوبة، خصوصا أن كل تفاصيل الملف اللبناني ستطرح على الطاولة.
عمليا، يعلم باسيل كما غيره من السياسيين اللبنانيين فيما يتم البحث به خارجيا والتحضير لها، لذلك يسعى الرجل إلى اقتراح شخصيات أخرى لترشيحها للرئاسة، وتكون لها تجارب ناجحة في المجال المالي والاقتصادي، وبذلك يتجنب باسيل خيار قائد الجيش جوزيف عون. من هنا تعود بعض المصادر إلى طرح اسم رئيس دائرة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور.