بعد أن جثم الفكر الأصولي المتطرف على أنفاسنا، وتغلغل في أفكارنا عشرات السنين، نفض الأشقاء هذه العباءة بعد أن أضحت عبئاً ثقيلاً عليهم، ففي محيطنا الخليجي قلبت المملكة العربية السعودية الطاولة لتشرك هيئة الترفيه ترجيحاً في المباراة واضعةً الهيئة «الأخرى» على الدكة بعد أن تفننت بإضاعة الوقتين الأصلي والإضافي في جرّنا للماضي السحيق! مع قيام دولة قطر بتنظيم البطولة الرياضية الأهم على الإطلاق بانتصارات لا حصر لها للإنسان القطري أولاً وللعربي ثانياً، وهي انتصارات ستؤتي أكلها في الغد القريب، مع إعلان الجمهورية الإسلامية الإيرانية حل شرطة الأخلاق رضوخاً لمطالب الشعب بالكف عن تدخل السلطات في حرياته الشخصية.
ما يحدث هو نزر يسير من تحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية هائلة في المنطقة لم تتشكل بعد، ولكنها تتطلع لردم الهوة بين شعوبها وشعوب العالم المتحضر، في حين أن الكويت غير مكتفية بالجمود، بل إنها آخذة بالتقهقر رضوخاً لأفكار رجعية يعتقد أصحابها أنهم يملكون حق تشكيل حياة الناس بحسب قناعاتهم الخاصة مستنزفين طاقاتنا ومواردنا في أحلام الردة، وما خبر استعداد وزارة الداخلية لرأس السنة بجيش جرّار قوامه ثمانية آلاف عسكري (علماً بأن منتسبي الوزارة بأكملها يبلغ 20.000 موظف!) والثمانمئة سيارة شرطة ليوم عادي من أيام السنة يحتفل فيه البعض ولا يعني للآخرين شيئاً سوى تأكيد لانفصالنا عن التاريخ والجغرافيا!
من المفارقات حضوري لعدة اجتماعات رسمية في 2019 تحت عنوان تنشيط السياحة في الكويت، ومنها اجتماع ترأسه معالي وزير الداخلية الحالي (الذي كان آنذاك محافظاً للعاصمة) وبحضور كبار القيادات ومفاده تحفيز الجهات الرسمية المختلفة على إشاعة الفرح والاحتفالات تشجيعاً للسياحة والسيّاح، وكانت مداخلتي آنذاك بأن العنوان لا يتلاءم مع الواقع، وقلت صراحة بأن الواقع لا ينسجم مع تلك الأماني، فالكويت لا تشجع السياحة فحسب، بل إنها طاردة لها، ومنها تشدد الدولة في إصدار تأشيرات الدخول للكويت بحجج عدة، واقترحت عندئذ أن نعيد تسمية الأمور بأسمائها الصحيحة بأن تختص تلك الاجتماعات بتنشيط السياحة الداخلية فقط، وهو ما نال تأييد الحاضرين بدلاً من أن تثار حفيظتهم! وبعد مضي 3 سنوات على تلك الاجتماعات الرفيعة (في قصور مختلفة!)، يبدو أن قدرنا أن تزداد أحلامنا انكماشاً، وأن يستمر رضوخ الدولة لعقلية التفتيش ومحاكمها!