طريق وعرة للدبلوماسية قبل انفراج العلاقات الأميركية - الصينية

نشر في 30-12-2022
آخر تحديث 29-12-2022 | 20:25
جو بايدن -  شي جينبينغ
جو بايدن - شي جينبينغ
تُستعمَل المحادثات بين السفراء كأداة لتوضيح النوايا وطريقة آمنة لتبادل المعلومات الحساسة بين بكين وواشنطن، وهي تهدف عن غير قصد إلى توجيه السياسات المعمول بها، لذا قد تشكّل برنامج عمل تستعمله بكين وواشنطن للتهرب من المواجهة في المسائل العالقة والمستعصية ومتابعة المسار الوعر نحو تحسين العلاقات.
شددت الصين والولايات المتحدة معاً على ضرورة الاستثمار في آلياتهما الدبلوماسية حديثاً، فقد تسعى بكين إلى توسيع نفوذها الدبلوماسي لزيادة تأثيرها العالمي، لكن واشنطن أعلنت في الفترة الأخيرة إنشاء «مكتب التنسيق بشأن الصين» في وزارة الخارجية الأميركية، وتهدف هذه المبادرة إلى زيادة فاعلية الدبلوماسية الأميركية لأن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة «لا يمكن التحكم بها عبر المقاربة المكتبية الثنائية فحسب» برأي مسؤول رفض الإفصاح عن هويته، وتأتي هذه التطورات بعد أول لقاء مباشر بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ في بالي بإندونيسيا، في منتصف نوفمبر.

قد يُعتبر هذا اللقاء بحد ذاته خبراً إيجابياً، لكن تتعدد الأسباب المحتملة التي تنذر بتجدد التوتر بين البلدين قريباً، أبرزها احتمال نشوب صراع صيني أميركي بسبب مضيق تايوان، إذ يتجادل صانعو السياسة السابقون والخبراء حول الموقف الأميركي المناسب في حال تعرّضت المنطقة للغزو، ولن يكون اجتماع واحد (حتى لو حصل على أعلى المستويات) كافياً لحل الخلافات وبناء علاقة قائمة على تكثيف التعاون.

لكن الجهود الرامية إلى استئناف التواصل الدبلوماسي المباشر بين واشنطن وبكين بعد احتدام المنافسة (أو حتى اندلاع خصومة كبرى أو صراع مباشر بينهما على المستوى الدولي) لا تُعتبر تطوراً جديداً أو استثنائياً في تاريخ العلاقات الأميركية الصينية، فقد سبق أن دارت محادثات على مستوى السفراء بين منتصف الخمسينيات وبداية الستينيات، حين خَلَت العلاقات بين جمهورية الصين الشعبية والولايات المتحدة من أي تواصل دبلوماسي رسمي.

كانت بداية أول أزمة في مضيق تايوان، في عام 1954، العامل المُحفِّز للمحادثات، وأوضح المؤرخان الصينيان تشانغ بايجا وجيا تشيغو أن الهدف الأساسي من المحادثات الصينية الأميركية كان يتعلق بتخفيف التوتر وإخماده بعد انتهاء الأزمة، وتوقّع القادة الصينيون أن تُمهّد تلك المحادثات لإطلاق مفاوضات أخرى وحصول تحسّن عام في العلاقات الثنائية، لكن الولايات المتحدة كانت تهدف في المقام الأول إلى استبعاد احتمال أن تلجأ جمهورية الصين الشعبية إلى استعمال القوة ضد تايوان وإثبات التزام واشنطن تجاه حلفائها المعادين للشيوعية في المنطقة.

رغم الأمنيات التي حملت طابعاً إيجابياً نسبياً في بداية المحادثات بين السفيرَين، نشأ مأزق واضح بعد فترة قصيرة، فمن جهة، رفضت بكين تقديم أي ضمانات حول ما تنوي فعله بشأن تايوان، واعتبر صانعو السياسة الصينيون هذه المسألة مشكلة داخلية، ومن جهة أخرى، أكدت واشنطن بكل حزم حقها في الدفاع عن منطقة تايوان، بطريقة جماعية أو أحادية الجانب، مما يعني الامتناع عن عقد أي اجتماعات أخرى إلى أن تتخلى الصين عن رغبتها في تنفيذ تدخّل عسكري.



عند اندلاع أزمة مضيق تايوان الثانية في عام 1958، بعدما أقدم جيش التحرير الشعبي على قصف جزر «كينمن»، حافظت المحادثات بين السفيرَين على دورٍ مهم لمتابعة التواصل الصيني الأميركي خلال الأزمة، وكان استئناف تلك المفاوضات في وارسو، عام 1958، أشبه «بميناء في عاصفة متفاقمة»، فساهم في السيطرة على أي تصعيد إضافي ومنع اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بين البلدين بسبب تايوان، وكانت بكين وواشنطن تحملان أهدافاً مختلفة هذه المرة (أرادت الصين أن تستأنف التواصل لفهم النوايا الأميركية بشأن دعمها لتايوان، في حين أرادت الولايات المتحدة أن تُرسّخ الاستقرار في مضيق تايوان)، لكن أصبحت المحادثات أداة مفيدة لإخماد المخاوف المتبادلة واطلاع كل طرف على دوافع الطرف الآخر.

حين انتهت أخطر مرحلة من هذه الأزمة الثانية، خمدت العلاقات الصينية الأميركية مجدداً حتى عام 1962، ثم منع نظام المحادثات وقوع حادثة خطيرة أخرى على صلة بتايوان عبر تسهيل المحادثات غير الرسمية وتبادل المعلومات والنقاشات المرتبطة بالمخاوف الأمنية بين السفيرَين. في العام 1964، اعترف وانغ بينغنان، دبلوماسي من الحزب الشيوعي الصيني شارك في المحادثات حينها، بأن الصين والولايات المتحدة تمكّنتا من التعبير عن مواقفهما وآرائهما بفضل هذه القناة «عند وقوع حدث دولي بارز»، فاستطاع الطرفان بهذه الطريقة أن يقدّرا مواقف وتحركات الطرف الآخر. لم يحصل الفريقان على فرص أخرى للاجتماع لاحقاً، لكنهما فَهِما بعضهما جيداً.

يختلف الوضع الراهن بكل وضوح، فقد فشلت المحادثات بين السفراء في إحداث تغيير بارز في أسس السياسة الخارجية في البلدين. مع ذلك، تبقى تلك السابقة التاريخية مهمة كونها تثبت أن جمهورية الصين الشعبية والولايات المتحدة تبذلان جهوداً حثيثة لمتابعة التواصل خلال الأزمات الكبرى وتنجحان في مساعيهما، كذلك، كانت المحادثات بين الخمسينيات والستينيات كفيلة بتحسين معلومات الولايات المتحدة عن أسلوب الصين في التفاوض ومواقفها من مسائل متنوعة.

المحادثات بين السفراء في إحداث تغيير بارز بأسس السياسة الخارجية في البلدين فشلت

في هذا السياق، يقول الناشط ستيفن غولدشتاين: «كانت أهم نتيجة غير مقصودة تتعلق بدور المفاوضات في تشجيع واشنطن على إعادة النظر بتحركاتها، أو حتى اختبار سياساتها في المفاوضات مع جمهورية الصين الشعبية في بعض الحالات، ونظراً إلى ضرورة تقديم المعلومات والتعليمات إلى الوفد في جنيف أو وارسو، خصصت وزارة الخارجية الأميركية الوقت اللازم لمحاولة فهم السياسة الخارجية الصينية. تكشف السجلات بين العامين 1955 و1968 أن التحضيرات لتلك المحادثات شكّلت فرصة مناسبة لتغيير طريقة التفكير بأساليب التواصل مع بكين».

من الواضح أن المخاطر المطروحة اليوم تحمل تعقيدات كبرى للبلدين. لهذا السبب، يُعتبر إنشاء وحدة خاصة لاستبدال «مكتب الصين» في «مكتب شؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ» تطوراً إيجابياً، لكن يثبت تاريخ العلاقات الصينية الأميركية أن الحفاظ على قناة ثنائية ضروري بالقدر نفسه.

تُستعمَل المحادثات بين السفراء كأداة لتوضيح النوايا وطريقة آمنة لتبادل المعلومات الحساسة بين بكين وواشنطن، وهي تهدف عن غير قصد إلى توجيه السياسات المعمول بها، لذا قد تشكّل برنامج عمل تستعمله بكين وواشنطن للتهرب من المواجهة في المسائل العالقة والمستعصية ومتابعة المسار الوعر نحو تحسين العلاقات.

* جوزيبي باباريلا

back to top