أصبحت الحرب القائمة في أوكرانيا دائمة على ما يبدو، فلا يستطيع أي طرف القضاء على خصمه أو تحديد الشروط التي تسمح بالتوصل إلى اتفاق سلام، حيث يتحاور الروس مع بيلاروسيا والهند وأي جهة توافق على التواصل معهم، لكنّ أحداً لا يستطيع تقديم مساعدات كافية في ساحة المعركة أو تأمين الذخائر اللازمة لتغيير مسار الحرب، وفي المقابل، يتواصل الأوكرانيون مع الولايات المتحدة، وحلف الناتو، وكل طرف مستعد للإصغاء إليهم لضمان تلقيهم أسلحة متواصلة أو حتى الحصول على معدات جديدة، لكنّ أوكرانيا لم تدمّر روسيا بعد، فهي منشغلة بمنع انهيار البلد وتبدو هذه المهمة بالغة الصعوبة، ففي ساحة المعركة، تتلاحق التحركات في المعسكرَين، لكن لا تحمل هذه الخطوات كلها طعم الانتصار، فمتى تنتهي الحروب إذاً حين يرفض القادة الاستسلام؟
لمحاولة فهم طريقة انتهاء الحرب في أوكرانيا، تتعدد العوامل التي تستحق التحليل، لكن يجب أن يصبّ التركيز أولاً على استعداد المدنيين لمتابعة القتال، حيث يشعر الرأي العام في البلدين بالتعب حتماً، فقد سئم الروس من تكبّد الخسائر البشرية واستدعاء المزيد من المجندين، في حين تعب الأوكرانيون من الاعتداءات المتواصلة على المدنيين والبنية التحتية المدنية، ويرغب الروس في إنهاء الصراع شرط ألا يحصل ذلك تزامناً مع تمرّد العائلات التي تم استدعاء أبنائها إلى الحرب، وفي المقابل أصبح الأوكرانيون عالقين في مخاوفهم، فهم يخشون أن يؤدي تنازلهم أمام الروس إلى نشوء عهد مرعب، وفي هذه الحالة، يشعر البلد الذي سئم من الحرب برعب مضاعف من عواقب الهزيمة.
في المقابل، لا يشعر أي بلد بالقلق من خسارة المعدات، إذ يرغب الطرفان في تلقي المزيد حتماً، لكنّ هذا الوضع لن يقودهما إلى الاستسلام، وقد يدفع نقص المعدات بطرفٍ منهما أو بالطرفين معاً إلى البحث عن حل على الأقل، ويقاتل الفريقان الآن عبر استعمال كمية معينة من الأسلحة، ويعجز أي طرف عن تدمير الطرف الآخر ولا شيء يثبت أن المعدات الراهنة ستحقق هذا الهدف في أي مرحلة، ويملك الروس محطتهم الصناعية الخاصة، بالإضافة إلى أسلحة مستوردة من أماكن مثل إيران، وتستفيد أوكرانيا من تدفق سيل من الأسلحة الغربية، لا سيما من الولايات المتحدة، وهذا الوضع أنتج حرباً مستقرة لكن غير محدودة، وإذا استمرت هذه الظروف، يرتفع احتمال أن تتراجع معنويات المدنيين، وستحاول موسكو في هذه الحالة أن تحافظ على سلامة محطتها الصناعية وعلاقاتها مع الآخرين وتسعى في الوقت نفسه إلى كبح الشحنات نحو أوكرانيا، أما أوكرانيا فهي تريد أن يستمر تسليم الأسلحة الأميركية على الأقل، فيما تحاول تقليص الأسلحة المتدفقة إلى روسيا من الخارج.
بما أن البلدين يجدان صعوبة في الحفاظ على معنويات المدنيين، سيحاول كلاهما إخماد مخاوف الناس من الهزيمة، وطالما تخشى أوكرانيا التعرض للهزيمة على يد روسيا، يبقى الاستسلام مستحيلاً على أرض الواقع، لكن يختلف الوضع في روسيا، ولهذا السبب تبقى محادثات السلام التي تفرضها الاضطرابات المحلية في البلدين أقرب نتيجة إلى الواقع، وقد بدأت روسيا تشهد الاضطرابات منذ الآن، لكن يبقى هذا النوع من المشاكل محدوداً في أوكرانيا، وقد عجز الروس عن تأجيج الاضطرابات هناك، مما يعني أنهم سيضطرون لإطلاق حملة ترهيب على نطاق أوسع إذا سنحت لهم الفرصة، لكن لن تبدأ أي محادثات سلام قبل أن يختلّ توازن الطرفَين بدرجة معينة، فهذا الوضع يستلزم عامل الإكراه، وتبرز الحاجة إلى التلاعب بالشعوب المدنية الخارجية، والدفاع عن الشعوب المحلية، واستعمال أسلحة جديدة وعملية وقادرة على إحداث الأضرار من دون حصول تدخّل أجنبي.
مع مرور الوقت، لا مفر من أن تطلق استحالة الفوز محادثات السلام المنتظرة، لكن لن يحصل ذلك قبل أن يفرض الواقع هذا المسار.
* جورج فريدمان
لمحاولة فهم طريقة انتهاء الحرب في أوكرانيا، تتعدد العوامل التي تستحق التحليل، لكن يجب أن يصبّ التركيز أولاً على استعداد المدنيين لمتابعة القتال، حيث يشعر الرأي العام في البلدين بالتعب حتماً، فقد سئم الروس من تكبّد الخسائر البشرية واستدعاء المزيد من المجندين، في حين تعب الأوكرانيون من الاعتداءات المتواصلة على المدنيين والبنية التحتية المدنية، ويرغب الروس في إنهاء الصراع شرط ألا يحصل ذلك تزامناً مع تمرّد العائلات التي تم استدعاء أبنائها إلى الحرب، وفي المقابل أصبح الأوكرانيون عالقين في مخاوفهم، فهم يخشون أن يؤدي تنازلهم أمام الروس إلى نشوء عهد مرعب، وفي هذه الحالة، يشعر البلد الذي سئم من الحرب برعب مضاعف من عواقب الهزيمة.
في المقابل، لا يشعر أي بلد بالقلق من خسارة المعدات، إذ يرغب الطرفان في تلقي المزيد حتماً، لكنّ هذا الوضع لن يقودهما إلى الاستسلام، وقد يدفع نقص المعدات بطرفٍ منهما أو بالطرفين معاً إلى البحث عن حل على الأقل، ويقاتل الفريقان الآن عبر استعمال كمية معينة من الأسلحة، ويعجز أي طرف عن تدمير الطرف الآخر ولا شيء يثبت أن المعدات الراهنة ستحقق هذا الهدف في أي مرحلة، ويملك الروس محطتهم الصناعية الخاصة، بالإضافة إلى أسلحة مستوردة من أماكن مثل إيران، وتستفيد أوكرانيا من تدفق سيل من الأسلحة الغربية، لا سيما من الولايات المتحدة، وهذا الوضع أنتج حرباً مستقرة لكن غير محدودة، وإذا استمرت هذه الظروف، يرتفع احتمال أن تتراجع معنويات المدنيين، وستحاول موسكو في هذه الحالة أن تحافظ على سلامة محطتها الصناعية وعلاقاتها مع الآخرين وتسعى في الوقت نفسه إلى كبح الشحنات نحو أوكرانيا، أما أوكرانيا فهي تريد أن يستمر تسليم الأسلحة الأميركية على الأقل، فيما تحاول تقليص الأسلحة المتدفقة إلى روسيا من الخارج.
بما أن البلدين يجدان صعوبة في الحفاظ على معنويات المدنيين، سيحاول كلاهما إخماد مخاوف الناس من الهزيمة، وطالما تخشى أوكرانيا التعرض للهزيمة على يد روسيا، يبقى الاستسلام مستحيلاً على أرض الواقع، لكن يختلف الوضع في روسيا، ولهذا السبب تبقى محادثات السلام التي تفرضها الاضطرابات المحلية في البلدين أقرب نتيجة إلى الواقع، وقد بدأت روسيا تشهد الاضطرابات منذ الآن، لكن يبقى هذا النوع من المشاكل محدوداً في أوكرانيا، وقد عجز الروس عن تأجيج الاضطرابات هناك، مما يعني أنهم سيضطرون لإطلاق حملة ترهيب على نطاق أوسع إذا سنحت لهم الفرصة، لكن لن تبدأ أي محادثات سلام قبل أن يختلّ توازن الطرفَين بدرجة معينة، فهذا الوضع يستلزم عامل الإكراه، وتبرز الحاجة إلى التلاعب بالشعوب المدنية الخارجية، والدفاع عن الشعوب المحلية، واستعمال أسلحة جديدة وعملية وقادرة على إحداث الأضرار من دون حصول تدخّل أجنبي.
مع مرور الوقت، لا مفر من أن تطلق استحالة الفوز محادثات السلام المنتظرة، لكن لن يحصل ذلك قبل أن يفرض الواقع هذا المسار.
* جورج فريدمان