كيف تحولت مضاربات الدولار إلى خسائر حادة في مصر؟

نشر في 02-01-2023
آخر تحديث 02-01-2023 | 21:12
الدولار
الدولار

ربما كان عام 2022 الأصعب على الجنيه المصري منذ التعويم الأول في نوفمبر 2016، إذ كان يجري تداول الدولار في السوق المصري عند مستوى 8.88 جنيهات، وكانت الحكومة تتحمل الفارق بين السعر العادل لصرف الدولار وسعره في السوق الرسمي، ما كان يتسبب في ارتفاع فاتورة الإنفاق العام وما يستتبع ذلك من ضغوط على المالية العامة تتحول في النهاية إلى عجوزات ضخمة.

منذ عام 2016 وحتى نهاية العام الماضي، شهد الجنيه تحركات كثيرة، ففي نهاية العام ووفق المفاوضات التي بدأت مع صندوق النقد الدولي في إطار تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، ترك البنك المركزي المصري سوق الصرف دون تدخل إلى أن وصل سعر صرف الدولار في نهاية العام إلى مستوى 19.6 جنيها.

وجاء عام 2017 ليشهد وتيرة تراجع سعر صرف الدولار ليستقر في بداية 2018 عند مستوى 15.75 جنيها، لكن التغيرات الكبيرة شهدها عام 2022، والتي بدأت بإعلان تخارج نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة من السوق المصري.

ونتيجة لزيادة الإنفاق العام، وما تطلبته التداعيات العنيفة التي خلفتها جائحة كورونا، إضافة إلى التوترات الجيوسياسية التي شهدها العالم وخاصة الحرب الروسية في أوكرانيا، مع ارتفاع معدلات التضخم العالمي واتجاه البنوك المركزية بقيادة الاحتياطي الفدرالي الأميركي إلى رفع أسعار الفائدة على الدولار، فقد بدأ المستثمرون رحلة العودة إلى الدولار التي سجلت ارتفاعات قياسية مقابل جميع العملات.

في خضم المعركة وخلال شهر مارس الماضي، بدأت الحكومة المصرية مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن الحصول على حزمة تمويلية جديدة. ووفق المفاوضات، فقد بدأ الجنيه يدخل مرحلة جديدة في عهده مع الدولار، حيث قرر البنك المركزي المصري رفع سعر صرف الدولار من مستوى 15.75 جنيها حتى وصل إلى نحو 24.79 جنيها في الوقت الحالي، ليقفز سعر صرف الدولار خلال عدة أشهر بنسبة تتجاوز 57%.

ومع تحرك سعر صرف الدولار في السوق الرسمي، بدأت السوق السوداء في الظهور من جديد، كما أنه ومع زيادة حدة المضاربات على الورقة الأميركية، واصلت الارتفاع في السوق غير الرسمي، مما دفع البنك المركزي المصري إلى ضبط أداء سوق الصرف والقضاء على تجارة الدولار والمضاربات.

خسائر حادة للمضاربين

وبفعل المضاربة على الدولار في مصر قفز في تعاملات السوق الموازي ليتجاوز نحو 36.5 جنيها، وكان تجار الذهب يقومون بتسعيره قرب مستوى 40 جنيها، ما ساهم في تفاقم حدة المضاربات، ما أغرى شرائح جديدة للمضاربة على الدولار، سعيا منهم للاستفادة من الارتفاعات المتوالية، إلا أن الحكومة فطنت لهذا الأمر واتخذت الكثير من الإجراءات لمعالجة هذه الأزمة، التي بدأت بتوفير الدولار في البنوك نسبيا للمستوردين، والإفراج عن البضائع المكدسة في الموانئ، حيث بلغت قيمة ما تم الإفراج عنه خلال ديسمبر الماضي فقط نحو 6.25 مليارات دولار، بعد تدخل الرئيس عبدالفتاح السيسي وتوجيه الحكومة بإنهاء الأزمة خلال أسبوعين.

وكانت هذه الخطوات كلمة السر في ضبط إيقاع الدولار بالسوق السوداء، وسرعان ما تحولت المضاربات على الدولار إلى خسائر حادة، فمن قاموا بشراء الدولار عند مستويات سعرية فوق ال30 جنيها تكبدوا خسائر فادحة، بحسب حديث الكثيرين منهم على مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي المتخصصة لمتابعة حركة سوق الصرف في مصر، ومن خلال 14 إجراء اتخذها «المركزي المصري» خلال الفترة الماضية، تحولت المضاربات على الدولار من مكاسب قياسية إلى خسائر حادة وعنيفة.

بداية الإجراءات كانت بإعلان البنك المركزي المصري إلغاء قراره بشأن العمل بنظام الاعتمادات المستندية فقط، الصادر في فبراير، وقبول مستندات التحصيل لتنفيذ كل العمليات الاستيرادية، وبالفعل شهد ديسمبر الماضي انتهاء العمل بهذه الآلية، وأعلنت الحكومة الإفراج عن بضائع ومنتجات بقيمة 6 مليارات دولار خلال أقل من 3 أسابيع، مع تأكيدات رسمية بانتهاء الأزمة خلال الأيام المقبلة.

كما وجه البنك المركزي البنوك العاملة في السوق المصري بتدبير النقد الأجنبي وفتح حدود البطاقات الائتمانية وبطاقات الخصم المباشر للاحتياجات بالعملة الأجنبية لأغراض التعليم والعلاج بدون حدود قصوى، وذلك عند طلب العميل لتلك الاستخدامات، وتقديم المستندات المؤيدة لذلك.

وبتعليمات من البنك المركزي، قررت بنوك مصرية تقييد الإنفاق الدولي من بطاقات الائتمان والخصم الفوري لبعض فئات التجار، ومن بينهم تجار الذهب والمجوهرات.

ووجه «المركزي المصري» خطابا للمصارف في حالة عدم ورود حصيلة العمليات التصديرية الخاصة بالذهب خلال مدة أقصاها 7 أيام عمل من تاريخ الشحن، وبعد متابعة المصرف للعميل 3 أيام عمل تالية فقط، يتعين عليه إبلاغ «المركزي».

وفي إطار الإجراءات، طلب «المركزي» من البنوك العاملة في السوق المصري ضرورة إخطار العملاء بأي من وسائل الاتصال بأنه يحظر إساءة استخدام البطاقات الائتمانية وبطاقات الخصم المباشر خاصة العملاء الذين لا يغادرون البلاد. وبتعليمات من «المركزي» أيضا، رفعت البنوك العاملة في السوق المصري نسبة العمولة على السحب النقدي للدولار والمشتريات خارج مصر إلى 10% بدلا من 3%.

كما قررت البنوك تعديل حدود السحب النقدي بالعملات الأجنبية على جميع البطاقات، وتعديل حدود وتقييد استخدام البطاقات على بعض عمليات الشراء من الخارج، وطالب «المركزي» البنوك بالتحقق من عمليات الشراء من الخارج لعملاء عبر بطاقاتهم المصرفية، والتأكد من مغادرتهم فعليا للبلاد أثناء توقيت عمليات الشراء. أيضا، تقرر إعفاء العملاء من كل المصروفات والعمولات الخاصة بخدمات التحويلات البنكية للأفراد، والتي تتم من خلال القنوات الإلكترونية بالجنيه، كما تقرر زيادة حدود السحب النقدي والإيداع بالعملية المحلية من مستوى 50 ألف جنيه للسحب والإيداع، إلى 150 ألفا للسحب، ودون أقصى للإيداع.

وفي أبريل الماضي، أعلن البنك المركزي المصري إعفاء عملاء المنظومة الوطنية للمدفوعات اللحظية، من كل المصروفات والعمولات الخاصة بخدمات التحويلات اللحظية، حيث تعد المنظومة من أهم مشروعات البنية التحتية لنظم الدفع التي يرعاها البنك المركزي المصري لتكون بديلا متكاملا للمدفوعات النقدية يتيح كل خدمات التحويلات للعملاء لحظيا طوال أيام الأسبوع على مدار 24 ساعة.

وتقرر إلغاء رسوم تفعيل خدمات التحصيل الإلكتروني عبر الإنترنت للشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة التي ترغب في تفعيل هذه الخدمة، لتحفيز الشركات على التوسع في استخدام الخدمات المالية الرقمية، كما قرر «المركزي المصري» تطبيق سياسة تسعيرية جديدة على خدمات التحويل من خلال محفظة الهاتف المحمول، وأعفى جميع العملاء من مصروفات التحويل لأول معاملة شهريا للتحويل من أي محفظة هاتف محمول إلى أي محفظة أخرى. وتقرر أيضا وضع حد أقصى للمصروفات التي يتحملها العميل لمعاملات التحويل الأخرى التي تتم بين محافظ الهاتف المحمول التابعة لنفس مقدم الخدمة بحيث لا تزيد قيمتها على 1 جنيه فقط، أما بالنسبة لمعاملات التحويل التي تتم بين أي محفظتي هاتف محمول غير تابعتين لنفس مقدم الخدمة فقد تم تعديل التسعير القائم ليكون بحد أقصى 15 جنيها للمعاملة.

back to top