هل تتراجع إيران... عن الهاوية؟
صحيح أن المستشفيات كثيرة فى إيران الإسلامية، والمستوصفات كما يقال لا تحصى، ولكن المصاب أو الجريح من المشاركين فى المسيرات داخل المدن الإيرانية يتجنبون دخولها للعلاج بل حتى للإسعافات الأولية، إذ إن النتيجة ستكون الاتهام والاعتقال والتعذيب وغيره.
من الأسلحة التي تستخدمها قوات الأمن الإيراينة ضد المتظاهرين نوع من خراطيش «الشوزن»، أو القذائف الرصاصية الصغيرة، التي قد لا تقتل لكنها تخترق بشرة الوجه والصدر والظهر والفخذ والأرجل وتدميها، وتتقيح إن تركت دون علاج.
«العيادات السرية» وأصدقاء الطلبة من دارسي الطب والجراحة أحد الحلول... لكنها حلول مؤقتة، وهناك في مواقع التواصل الاجتماعي دروس في الإسعافات الأولية وربما العمليات الجراحية البسيطة، وربما تسهيل وصول الجرحى إلى كردستان العراق.
ثمة إشاعات قوية عن المتاجرة بأعضاء السجناء ومن يتم إعدامهم والعديد منهم كما هو معروف يتم دفنهم دون تدقيق، كما يشترط عدم إقامة عزاء وعدم وصول الأخبار إلى الجمهور، ربما لا توجد دولة نامية أو متقدمة تستخدم «الكرينات» و«السلنكات» في شنق المحكومين بالإعدام فى الساحات العامة كما تفعل إيران، مهما كانت الجريمة أو الحكم، فمثل هذا الإجراء الوحشي إهانة للقضاء الإيراني وإساءة بالغة لمكانة المواطن، لكن إيران تلجأ لهذه الوسيلة مراراً، من المحكومين السياسيين إلى الآخرين من المهربين.
عرضت بعض قنوات التلفاز بعض الإيرانيين من مواطني بعض المدن النفطية وهم ينبشون سلال القمامة بحثا عن بقايا طعام! سأفترض أنهم يبحثون كذلك عما يمكن بيعه من خردوات! ولكن لماذا الناس بهذه الحال؟ وماذا بقي للمواطن من قدرة شرائية إن كان بهذا التراجع؟ وما سقف الدولار والتومان؟ ومتى سينهار كل شيء؟ هل سيصل الدولار إلى 60 ألف تومان؟
مضى الآن مئة يوم ونيف على انفجار المظاهرات واندفع بعض التجار ومتوسطي الحال فى المسيرات والإضرابات، ولا يزال النظام يعتبر المشاركين من المخربين، ممن تلعب بهم بريطانيا وإسرائيل وقوى التخريب!
لماذا لا يفتح «الولي الفقية» أو على الأقل وزير الاقتصاد أو حتى رئيس الجهورية حوارا معهم؟ كيف يكون نظام الحكم «جمهوريا»، والنظام قائم على «العدالة الإسلامية»، وثورة 1979 «أعادت الثروة الوطنية للشعب» والناس يتم إعدامهم أمام «محاكم الثورة» بدون محامين! ماذا بقي من الثورة بعد المآسي التى عاشها الإيرانيون خلال أربعين أو خمسين عاما؟
يلفت نظري كثيراً أن غضب الشارع وصل إلى «قم» ومشهد والحوزات الدينية، وأن أقرب المقربين من «المرشد» يجهرون بالبراءة منه، والانتقادات بقدر ما هو مسموح به في النظام تتوالى ضده، ولا يحرك فيه هذا كله شعرة واحدة!
لقد تعرى النظام كما يقول الجميع، ولن يسترد أبداً ما فقد من تعاطف وولاء في السنوات الأولى التي سبقت السطو على الثورة، ولكن أين الجيل المخدوع؟ لماذا يجلس الإيرانيون من آباء وأمهات في منازلهم في حين يتعرض أبناؤهم وبناتهم لأشكال القمع؟ أليس الآباء مسؤولين عن إسقاط النظام الملكي والإيمان المطلق بآية الله الخميني وتصديق وعوده والتمسك بنظام ولاية الفقية؟
أتابع في التلفزيون عبر المحطات الإيرانية تفاعل الإيرانيين مع الأحداث مع برامج هذه القنوات التي تبث من إنكلترا وأميركا، تقول إحدى المتصلات بالقناة: أنا مدرسة عمري 25 سنة من إيران أؤيد هذه الانتفاضة الثورية، ولكني مترددة وأنصح بالحذر، قبل أيام جاء رجال الأمن إلى المدرسة التي أعمل فيها وأخذوا أحد العاملين بالتدريس ولا ندري ما مصيره، ولكن علينا رغم حذرنا أن نصارح طلابنا أن هذه الحكومة سيئة.
متصلة أخرى بالمحطة تقول إن «نسرين قادري» ضحية كردية أخرى قتلت بهراوة رجال الأمن، ورفضوا تسليم جثتها للدفن إلا وفق «شروط الأمن» في الزمان والكيفية وكل التفاصيل المعروفة.
الكثيرون ممن شاركوا في المسيرات الأولى لم يشاركوا في المسيرات الحالية، لأن أجهزة الأمن اعتقلتهم ووزعتهم على سجون الفردوس مثل «سجن إيفين» وغيره.
«سجن إيفين» هذا الذي يذكرنا بسجن «الباستيل» في فرنسا قبل الثورة، لا تسميه السلطات الإيرانية في طهران، في اليافطة المعلقة سجنا، أي «زندان» بالفارسية، بل تسميه تلطيفا مركز توقيف «بازدا شتكاه» (Bazdashtgah)،عدد غير معروف أو معلن من السجناء لقي مصرعه في الحريق المستعر الذي نشب في السجن مؤخرا، غير ضحايا التعذيب.
أحد المتصلين بالقناة يقول إن أقارب أحد ضحايا الأحداث يعيشون مأساة لا مخرج منها، فالجثة بيد الحكومة لإجبار والد الضحية على توقيع إقرار بأن ولده كان من جنود «البسيج» أي من ميليشيات النظام! وأنه قتل على يد المتظاهرين لا ميليشيات الدولة!
وأحد المتصلين بالقناة يحث الأهالي على المشاركة في الاحتجاجات ويقول: لا تشاركوا بالضرورة! اخرجوا على الأقل من منازلكم وتعالوا إلى المكان أو اقتربوا منه كي تروا بأنفسكم! فإذا رأيتم أعداد المشاركين كبيرة شاركوا، وإلا عودوا إلى منازلكم، وحاولوا هذا عدة مرات!!
متصل آخر بقناة «من وتو» يحذر من انغماس المشاركين فى المظاهرات من الخوض بالتفاصيل السياسة والانقسام بسببها، «علينا أن نحدد الهدف الأساسي لمسيرتنا وهو إسقاط النظام، كل نظام يشعر بالرحيل يزيد من عنفه، ومن قتل الناس».
متصل بالقناة: هذا النظام كذب علينا، والسكين وصلت الى العظام، ولا أمل لنا في أي حياة معه، لا بد أن يرحل.
متصل فاقد الأمل فى التغيير يقول: الكل يائس، والكل متردد! وآخر يقول: أتمنى أن تحفر قبور النظام قريبا، هذه الإعدامات توحد الناس ولا تفرقهم.
يقال إن الإعدامات بسبب الاعتداء على رجال الأمن ولكن هل ثمة أي مجال للاحتجاج السلمي المشاركون في دفن أحد المحكوم عليهم بالإعدام وهو «محسن شكاري» يينشدون:
هذه الورد المقتتة هدية للوطن
«أين كل بربر شُدَه
هِدْية به مَيْهَن شُدَه
أحد المعلقين في بعض المحطات: يبرر للاعتداء الجنسي على المعتقلين والمتعقلات: «نحن لا نفعل هذا بهم بحثا عن اللذة، بل من أجل إذلالهم وإخضاعهم»!
كيف ستخرج إيران من هذه الأزمة الكيانية والمأساة الوجودية بعد هذه الاحتجاجات المتواصلة، وبعد أربعين عاماً من تسلط التيار الديني وولاية الفقيه؟ من يمنع الانزلاق نحو الحرب الأهلية والانقسام القومي وكل الاحتمالات؟
النظام يعتبر كل هذه الثورة منذ نحو ثلاثة أو أربعة أشهر مجرد «زوبعة تخريبية» ولدتها المؤامرات الخارجية، كل الإيرانيين، بمن فيهم بعض أبناء وبنات وزوجات رجال النظام لهم رأي آخر!