ثمة لحظات، لا لحظة واحدة فقط، يفضي بها الواحد منا لشخص عزيز بما يختلج في صدره من أسرار، لحظات نتعرى فيها من أساليب الخداع والمجاملات لتكون الحقيقة لا غيرها وليدة تلك اللحظات ولصيقتها، لحظات نجالس فيها نجوماً في حياتنا لا لحظة واحدة نجالس فيها نجماً سينمائياً، لحظات ننزوي فيها بهم في سمائنا الخاصة لا لحظة واحدة نظهر فيها معهم على سماء قناة تلفزيونية، لحظات نتحمل فيها جراحنا ونطبب فيها جراح من أمامنا لا لحظة واحدة ننكأ فيها جراحنا ونثخن بالجراح مشاعر غيرنا، لحظات نشتريها فتربحنا علاقات مستديمة لا لحظة واحدة نشتريها فتكبدنا خسارة مستطيرة!
إن الحقيقة مثل الكلمة لها آدابها وضوابطها، وكما أن الكلمة الصادقة قد تتحول إلى كلمة خادشة بتحول ظروف زمان طرحها ومكانه، فإن الحقيقة هي الأخرى قد تتحول إلى فضيحة سواء كانت فجة أم بنقائها كاللجة، ولا تتبدل الحقائق إلى فضائح إلا عندما يتم اختطافها من داخل سور حياة أصحابها الخاصة. والفضيحة في لغة كثير من القنوات الفضائية هي الإثارة، الإثارة التي تحرك مسار طوفان الكسب المادي تجاه واديها، الإثارة التي تختطف بكاميرات المرتزقة لحظات خاصة لحياة بعض النجوم أو التي تتجلى في برامج تجسد واقع حياة زوجين يختطفان بأيديهما أسرار حياتهما الزوجية وحقائقها لتقول له هي ويقول لها هو ما يستحي الفضاء على إرسال ذبذبات إشاراته إلى أطباق أجهزة المشاهدين.فالإثارة في هذا السبيل لا سقف يوقف حد تطلعاتها، ولا الفضاء- الذي تزدحم فيه الأقمار الاصطناعية- أصبح يعاني داء بعض الإشارات المرسلة فقط، بل أصبح يعاني متلازمة فضائية أيضاً، حيث المشاهد يستجدي كشف أسراره طلباً لمال قد لا يتحقق، ومالك القناة يجلسه على كرسي الاعتراف بعد أن أخضعه لجهاز كشف الكذب، وهو مطمئن إلى أن مكسبه المالي لا شك أنه متحقق! هل من الطبيعي حقاً أن نختبر صدقنا من كذبنا أمام الملايين طمعاً في المال؟! وهل حقاً نستحق أن نجني وريقات مالية من أجل أن نخسر علاقات اجتماعية؟! هذا كل ما أملك قوله لمن أجلس نفسه في كرسي يختبر به حقيقة أقواله أمام الملايين. أما من أجلسه، فلا أريد أن أغلظ عليه بالقول، ولا أملك سوى أن أقول له ليتك أجلست في برنامجك مسؤولاً تعثرت بين أروقة دائرته المشاريع التنموية وغرقت فيها يد المتسبب في تهالك البنى التحتية، لا شك أن تلك الحقائق ستكون فضائح هي الأخرى، لكنها فضائح مطلوبة، فهي مثل اللقاح الذي يحتوي في الأصل على جرثومة ضارة، نحقنها في جسد المجتمع حتى يتعرف عليها ومن ثم يقضي عليها!* مكة المكرمة - السعودية
مقالات
لحظة للحقيقة أم لحظة للفضيحة!
17-04-2016