كيف نحدد أهدافنا

نشر في 17-04-2016
آخر تحديث 17-04-2016 | 10:34
 بروجيكت سنديكيت عند بداية هذا القرن، اتفق الزعماء من كل بلدان العالم على متابعة تحقيق أهداف الأمم المتحدة الإنمائية للألفية، وكان الطموح آنذاك يتلخص في تحسين حياة القسم الأعظم من سكان كوكب الأرض الأكثر حرماناً قبل حلول عام 2015.

والواقع أن هذا المقصد جدير بالثناء، ولكن بعد مرور أحد عشر عاماً كان التقدم الذي تم إحرازه على مسار تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية متفاوتا، وبينما يبدأ صناع القرار بالتفكير في المدى الذي ينبغي لطموحاتنا أن تبلغه بعد انقضاء الموعد النهائي لتحقيق هذه الأهداف، فإن الأمر يستحق أن نستعرض نجاحاتنا وإخفاقاتنا حتى يتسنى لنا أن نحسن من أدائنا.

إن الأهداف الإنمائية للألفية يمكن تخليصها في قائمة من "الأمور التي سوف تعود بالفائدة علينا إن تحققت"، ولقد أحرزنا تقدماً فيما يتصل بكل هذه الأمور تقريبا، فكان أداؤنا معقولاً إلى حد كبير في ضمان أن الطفل الذي سيولد في عام 2015 سوف يواجه قدراً أقل من الأعباء المادية مقارنة بما واجهه والديه من أعباء. ولكن التحديات الكبرى وحالات التفاوت الهائلة تظل قائمة. وكما هي الحال دوما، يتعين علينا أن نسأل أنفسنا كيف يمكننا أن نضمن إحراز تقدم أسرع.

إن الأهداف الإنمائية للألفية تتألف من ثمانية بيانات طموحة: فقد قرر العالم استئصال الفقر المدقع والجوع؛ وتعميم التعليم الابتدائي؛ وتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة؛ والحد من معدلات الوفاة بين الأطفال؛ وتحسين صحة الأم؛ ومكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، والملاريا، وغير ذلك من الأمراض؛ وضمان الاستدامة البيئية؛ وإنشاء شراكة عالمية من أجل التنمية.

وتستند هذه الأهداف العامة إلى أهداف محددة، فقد استهدفنا على سبيل المثال خفض نسبة السكان الذين يعيشون على أقل من دولار واحد يوميا إلى النصف؛ وإيجاد وظائف لائقة للنساء والرجال والشباب؛ وخفض معدلات الوفاة بين الأمهات بمقدار ثلاثة أرباعها؛ والحد من معدلات الوفاة بين الأطفال أقل من خمسة أعوام بمقدار الثلثين.

لا أحد يستطيع أن يجادل في رقي هذه الأهداف، ولكن صياغتها غير متساوقة، فما الذي يجعلنا نستهدف خفض الفقر إلى النصف، ومعدلات الوفاة بين الأمهات بمقدار ثلاثة أرباع، ومعدلات الوفاة بين الأطفال أقل من خمسة أعوام بمقدار الثلثين؟ لماذا نضع أهدافاً محددة لخفض المعدلات في هذه المجالات، وعلى الرغم من ذلك نظل على غموضنا فيما يتصل برغبتنا في تحقيق غاية "الوظيفة اللائقة"؟

ولماذا هذه الأهداف على وجه التحديد؟ لماذا نطمح إلى تحسين القدرة على الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات (الإنترنت، والهواتف المحمولة) ولكن ليس الطاقة الأساسية؟ فاليوم، هناك 1.6 مليار من البشر محرومون من الطاقة الكهربائية؛ وحين تغرب الشمس تتحول حياتهم حرفياً إلى ظلام، ولماذا لا نسعى إلى خفض معدل الوفيات بسبب تلوث الهواء داخل المساكن والذي بلغ 1.4 مليون وفاة سنويا، والتي ترجع في الأغلب إلى استخدام أنواع وقود فقيرة مثل الخشب والورق المقوى والروث لأغراض الطهي والتدفئة؟

لقد كانت الأهداف الإنمائية للألفية مفيدة في تركيز الانتباه على بعض مجالات الاحتياج، ذلك أن أمور مثل المياه النظيفة والصرف الصحي وإزالة الغابات وعدم المساواة بين الجنسين في التعليم لا تحظى بقدر كبير من الاهتمام الإعلامي أو التركيز في البلدان المتقدمة، ولقد ساعدت الأهداف الإنمائية للألفية في ضمان عدم اختفاء مثل هذه القضايا من على الأجندة السياسية، ونتيجة لهذا تم إحراز تقدم كبير في المجال الأول والثاني على الأقل.

ولكن كان بوسعنا أن نخطو خطوة أخرى إلى الأمام بتوجيه المزيد من الاهتمام نحو المجالات التي نستطيع فيها أن نحقق أعظم قدر من الخير، ففي عام 2000 كنا ندرك في واقع الأمر أن تحقيق هذه الأهداف أمر غير مرجح: حيث أكدت تقديرات البنك الدولي أن مساعدات التنمية في الخارج لابد أن تزيد بمقدار خمسين مليار دولار، إلى جانب إصلاح نظام تسليم الخدمات في العديد من البلدان.

وبدلاً من الموافقة على طموحات واسعة النطاق، فكان من الأجدر بنا أن نستخدم هذه الأهداف لتسليط الضوء على استثمارات محددة وأكثر قابلية للإنجاز، ووفقاً لتحليل أجراه بعض الحاصلين على جائزة نوبل وغيرهم من خبراء الاقتصاد البارزين لمصلحة مركز إجماع كوبنهاغن، فإن هذه الاستثمارات تتضمن التحصين الموسع للأطفال، والجهود الرامية على خفض أسعار التعليم، والمبادرات التي تهدف إلى القضاء على "الجوع الصامت" الناتج عن نقص المغذيات الدقيقة.

وعلى الرغم من اتساع نطاق الأهداف الإنمائية للألفية فهناك قضية واحدة تلقت القدر الأعظم من التركيز طيلة العقد الماضي: ألا وهي قضية الانحباس الحراري العالمي، بل إن هذه القضية كانت هي الأقرب إلى زعماء العالم وصناع القرار السياسي بين القضايا المرتبطة بالتنمية، فسياسة المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي تتكلف 250 مليار دولار سنويا، وهو ما يكفي لتحقيق كل الأهداف الإنمائية للألفية، وعلى الرغم من ذلك فإن تأثير هذه السياسة في درجات الحرارة العالمية في غضون مئة عام سوف يكون ضئيلاً إلى حد لا يمكن معه قياسها.

عندما يتعلق الأمر "بفعل الخير" في عالمنا هذا، فهناك فارق كبير بين التركيز على المشاكل والتركيز على الحلول، والواقع أن قضية الانحباس الحراري العالمي تسلط الضوء على هذا التناقض، فمن المفهوم أن نركز على المشكلة، ثم نسلم بأن التوصل إلى اتفاق عالمي لخفض الكربون هو الحل المنطقي الوحيد.

ولكن مثل هذا الاتفاق الشامل يبدو مستحيلاً على المستوى السياسي، ولقد ثبت بالدليل القاطع أنه غير فعّال إلى حد لا يصدق، ففي حين يشكل الانحباس الحراري العالمي تحدياً خطيرا (وسوف يؤدي إلى تفاقم مشاكل أخرى)، فإن خفض الانبعاثات الكربونية يُعَد حلاً هزيلا، واستخداماً رديئاً للأموال مقارنة بالبدائل.

إن التوصل إلى أذكى الحلول للمشاكل يتطلب ترتيب الأولويات، وهو الجهد الذي لا تبذله الأهداف الإنمائية للألفية صراحة، والذي يعتبره أغلب الناس كريهاً بغيضا، ولكن إذا لم نختر بوضوح بين السياسات القائمة استناداً إلى مدى فعاليتها، فإن القرار يفرض علينا في الكثير من الأحيان بفعل عوامل أخرى، بما في ذلك أي القضايا تجتذب القدر الأعظم من الاهتمام الإعلامي، أو التي تحمل الناشطين والشركات التي تقدم مصالحها الذاتية على أي أمر آخر على ممارسة الضغوط في اتجاه تنفيذ نوع بعينه من الاستثمار.

كان الحد من الفقر من بين المواضيع المهيمنة في الأهداف الإنمائية للألفية، وسوف ننجح بحلول عام 2015 في خفض أعداد الناس الذين لا تقل دخولهم عن دولار واحد يومياً إلى النصف، ولكن الفضل في ذلك سوف يكون راجعاً بالكامل تقريبا للخطوات الاقتصادية الهائلة التي خطتها الصين والهند، وهو ما يظهر لنا مدى فعالية التجارة في تقليص الفقر، وعلى الرغم من ذلك فإن البلدان المتقدمة تتحدث عن إصلاحات مستحيلة سياسياً من أجل خفض الحواجز التجارية المقامة في وجه البلدان النامية، وعلى الرغم من أننا أنفقنا كل وقتنا في إعداد معاهدة جديدة تخلف بروتوكول كيوتو، فإننا نسينا جولة الدوحة من المحادثات التجارية.

لقد نجحت الأهداف الإنمائية للألفية في تحسين كوكب الأرض في الإجمال، ولكن عندما نحدد أهدافاً جديدة في عام 2015، فسوف يكون لزاماً علينا أن نتحلى بقدر أكبر من الصراحة والأمانة فيما يتصل بالتركيز على المجالات التي نستطيع فيها أن نحقق أعظم قدر ممكن من الخير.

* بيورن لومبورغ | Bjørn Lomborg ، أستاذ مساعد في كلية كوبنهاغن للتجارة، ومؤسس ومدير "مركز إجماع كوبنهاغن"، ومؤلف كتاب "البيئي المتشكك" وكتاب "اهدأ"، وهو محرر "مقدار تكلفة المشاكل العالمية بالنسبة إلى العالم؟".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top