تزامنت رحلتي إلى فرنسا هذا الصيف، مع مشهد سياسي مثير في الشارع الفرنسي تبدت ملامحه الأحد الماضي، بعودة الناخبين الفرنسيين إلى صناديق الاقتراع، لحسم نتائج الانتخابات التشريعية الثانية والأخيرة، وتابعت عن كثب مرحلة التوقعات والتمنيات بين فرص المرشحين المتبقين في السباق الانتخابي، ولم يكن هذا الموسم كغيره من المواسم السابقة، فالصوت الفرنسي المنهك بعد الانتخابات الرئاسية لم يكن متحمساً للتنازل عن عطلة نهاية الأسبوع للذهاب إلى صناديق الاقتراع، وإن كانت النتيجة محسومة لليمين الفائز، فعنصر المفاجأة غير موجود في القاموس السياسي الفرنسي.

Ad

أصابتني الحيرة في قراءة المؤثرات على المزاج السياسي الفرنسي، فبين محاولات المعارضة اليسارية من جهة تعبئة الناخبين، سعيا إلى الحصول على مقاعد برلمانية إضافية. ومنها محاولات اليمين التقليدي أو «المد الأزرق»، كما يسميه الفرنسيون من جهة أخرى والذي استطاع أن يلقي بثقله على مفاصل الدولة بعد تحالفه مع حزب «الوسط الجديد».

والناخب الفرنسي بين هذا وذاك، أعطى اليمين الأغلبية التي يحتاج إليها لتولي شؤون البلاد، ولم ينس الاشتراكيين، الذين كانوا يحكمون سيطرتهم على أكثر من ثمانين مقعدا في السبعينيات من القرن الماضي وأقل من النصف الآن، فأعطاهم ما يلزمهم من مقاعد لإسماع صوتهم كمعارضين بالبرلمان.

وفي وسط الزوابع الانتخابية يبرز كتاب جديد، تتردد أصداؤه في الأسواق تحت مسمى «كواليس الهزيمة» ... الكتاب ألفه الصحافيان تيري مازول وكرستين كوركول، متناولاً حياة «سيجولين رويال» المرشحة السابقة للرئاسة، التي أعلنت انفصالها العاطفي والمهني عن «هولند»، السكرتير الأول للحزب الاشتراكي، وأبو أبنائها الأربعة، وزميلها منذ أيام الدراسة بالمعهد الوطني للإدارة، وهو معهد النخبة في فرنسا. و من يدري لعل الحظ يحالف رويال للحلول محل رفيق الدرب السابق وتترأس الحزب الاشتراكي.

ومن المباريات السياسية إلى تمكين المرأة، وذلك من خلال التشكيل الحكومي الجديد بعد الانتخابات، الذي ضم إلى جانب وزيرة العمل رشيدة داتي المغربية الأصل، وفاضلة عمارة، الجزائرية عضو المجلس البلدي سابقاً، والتي شكلت في السابق رابطة لحماية حقوق النساء والفتيات، و»النجمة السوداء»، كما يطلق عليها الفرنسيون, وهي «راما ياد» السنغالية الأصل، وعضو في الاتحاد من أجل الحركة الشعبية، التي تولت منصب وزيرة الدولة لحقوق الانسان.

لا شك أن متابعة الانتخابات في فرنسا متعة، وتنافس الأحزاب وحرص الناخب على وجود المعارضة مشوق، وتبقى المراهنة على نجاح رئيس الجمهورية الجديد ساركوزي، الذي يحمل في جعبته باقة من المشاريع الدولية، كملف دارفور، وتعديل الدستور الخاص بالاتحاد الأوروبي، وأوضاع كوسوفو، والتأثيرات المناخية. فهل ينجح مشروعه الإصلاحي بعد أن استهله بسياسة الانفتاح على الوسط واليسار وتمثيل الأقليات في تشكيلته الوزارية الجديدة؟

وأخيرا... كلمة يجب أن تقال... معهد العالم العربي في باريس ذلك الصرح الثقافي الشامخ، فوجئت بأنه أصابه وأنهكه الإهمال، وبحاجة إلى انتفاضة ثقافية عربية ليصبح مرة أخرى مركز إشعاع حضارياً وعربياً. وتمنيت أن أجد في المعهد إصدارات كتبت بأقلام نسائية كويتية، فتلك هي الدبلوماسية الثقافية المنشودة، التي تتحقق بتسويق الجهود الثقافية الكويتية في الخارج.