المشهد التالي الذي سأكتبه هو مشهد واقعي منقول بتصرف من التلفزيون اليمني بعد الحديث الأخير للسيد علي عبدالله صالح، الرئيس الذي لم يدم على كرسيه أكثر من ثلاثين عاما ويحاول منافسة الأربعيني معمر القذافي.
المشهد بين مستمع مشارك بحماس في تحية الرئيس ومذيع مهمته في الجهاز الاعلامي أن يتولى الدفاع عن السيد الرئيس مستخدما الخطاب الذي يلقى صدى واسعا واستقبالا حافلا من المستمع.المتصل: أود أن أشكر الأطباء عربا وأجانب (انتبهوا لكلمة أجانب) على الدور الكبير الذي قاموا به في علاج الرئيس علي عبدالله صالح وشفائه من الحادث الذي أصابه، وليتهم استطاعوا شفاءه من الطيبة التي يتمتع بها والعفو الكبير الذي يحمله الرئيس.المذيع: نعم يا سيدي، لقد تحققت فرصة لهؤلاء الأطباء أن يدخلوا كلية جديدة هي كلية الرئيس علي عبدالله صالح ويتعلموا من الرئيس عفوه وطيبته وهو ما لم يتحقق لهم في كلياتهم الطبية التى تعلموا بها (هكذا بكل بساطة).وأضاف المتصل مجموعة من الجمل الأجنبية لتصل ربما الى الأطباء الذين حددهم بأجانب لاعتقاده بأن شخصية عظيمة كالرئيس لا يمكن علاجها من طبيب عربي وربما لظنه أن حديثه الكبير الذي ألقاه على التلفزيون اليمني ينتظره الغرب ويكترثون له.هذا المشهد الخطابي مأساوي لدرجة اختلاط البكاء بالضحك. هو ليس خطابا شاذا أو منفردا عن خطابات التلفزيون العربي، وهو ليس أكثر من خطاب مقبول طالما الشخصية المحورية هي شخصية السيد الرئيس، حتى ان كان السيد الرئيس كالرئيس اليمني لا يعرف الفرق بين الذي والتي.الخطاب الذي ارتبط دائما بالنظر للسيد الرئيس كشخص ملهم يتمتع بحصانة شرعية واجتماعية ودينية ويمكن تطويع جميع أشكال الخطابات السياسية والشعرية والدينية لإحاطته بهالة ترسم له صورة مهيبة ذات نظرات حادة وقسمات متجهمة تدل على التحدي الدائم والتصميم.خطأ التلفزيون اليمني الذي استخدم هذا الخطاب اللغوي القديم هو أن الخطاب هذه المرة لم يرتبط بصورة الرئيس المهيب القديمة التى تعرضها أجهزة إعلامه للجماهير المرتعشة وهي تنتقي عباراتها في التعبير عن (حبها) للرئيس. كانت الصورة التي بدا عليها الرئيس اليمني صورة الانسان الطبيعي الذي يمكن أن يتعرض لحادث فتتغير ملامحة وتذبل حدة نظراته ويفقد سيطرته على التهويش بيديه حتى ان حاول أن يرفع نبرة التحدي قليلا.وهي صورة تدعو إلى الشفقة، ولن أقول التشفي، وتذكرني بصورة الرئيس العراقي صدام حسين وهو يخرج من حفرته أشعث الرأس يفتش الطبيب عن الحشرات التى سكنته خلال فترة اختبائه. كان بإمكان الأميركي ، لو أنه أراد ابقاء الصورة مرتبطة بخطابها، أن يخرج لنا صدام حسين كما عرفه الناس بعد شهر من إلقاء القبض عليه، ولكن الرسالة كانت واضحة بأن الذي ترونه أمامكم هو رجل عادي تسكنه الحشرات كما تسكن البؤساء وخطابه الذي أخافكم وأعجبكم وأرعبكم لا يمت لصورته بصلة.كان العربي الذي يتلقى خطابات رؤسائه وينظر الى صورهم يسخر من الرئيس الأميركي وهو يرتدي "شورت" ويداعب كلبته ويسخر من حادثة الكيكة الشهيرة التى يتلقاها سنويا رئيس الوزراء الكندي السابق كل عام على وجهه من أحد الحضور. ولكنها الصورة التي تقنع المواطن الغربي بأن رئيسه هو شخص لا يرتبط بهالة قدسية ولا يستخدم الكتاب المقدس في انزاله منزلة فوق الجميع.الاعلام العربي، كالرؤساء العرب، لم يصدق بعد أن الزمن المقبل هو زمن جديد وبحاجة إلى خطاب جديد ولن يصدق.
توابل - مزاج
خطاب قديم... زمن جديد
17-04-2016