ربيع أوروبا أم ربيع العرب؟

نشر في 15-04-2016
آخر تحديث 15-04-2016 | 17:58
 د. ندى سليمان المطوع إن المؤشرات التعليمية تؤثر وتتأثر بالحراك السياسي، وما يجري في الساحة العربية من أحداث يفرض علينا قضية ملحة وفي غاية الأهمية، وهي الاهتمام بنوعية التعليم, لما لها من أبعاد ثقافية واجتماعية، فهل هناك خطاب متفق عليه لتفسير ما يجري في العالم العربي؟ وما نصيب «الثورات العربية» من المناهج العربية؟

نتساءل دوما: ما العوامل التي أدت إلى ولادة مجتمعات حديثة في فترة ما بعد الثورات؟ وكيف برزت خصائص للمجتمعات أصبحت قوة الدفع نحو التطور التكنولوجي على امتداد التاريخ، وأصبحت تراثا للإنسانية كلها، استفادت منها المجتمعات وفهمت الجهود التحديثية، ولو حاولنا استخلاص مؤشرات من تاريخ الثورات الأوروبية على سبيل المثال لوجدنا السر في مساهمة الثورة في إصلاح مؤشرات متعددة منها:

• ثورة في مجال التشريع: إذ عرفت الثورات منذ القدم بمساهمتها بإفراز صراع بين قوى التمسك بالتقاليد وقوى الدعوة إلى التحديث، ولم يكن باستطاعة الدولة الفرنسية في العصور الوسطى مقاومة الانفصال عن تقاليد التمسك بقوى الكنيسة دون وضع مبادئ جديدة تنظم العلاقات الاجتماعية وأمور الناس الحياتية.

لذا فقد سعت من خلال الثورة إلى نزع المؤسسات العامة من الكنيسة، الأمر الذي ساعد على "ولادة" الدستور الغربي الحديث والتشريعات المدنية؛ كالأحوال الشخصية وقوانين الزواج التي جعلتها فرنسا عقودا مدنية، رغم احتجاج الكنيسة على توجه الدولة العلماني.

أما دول الشمال الإفريقي اليوم وهي في "ربيع العرب" ينبغي أن تسعى إلى تلمس الطريق نحو الحداثة، واليوم نشهد انطلاق الأفكار نحو الإصلاح التشريعي في دساتير وأحكام وقوانين دول الشمال الإفريقي تأثرا بـ"ربيع العرب", فهل تتحرك قوى التغيير تحركا إيجابيا؟ وهل ستدعم الجامعة العربية ذلك التغيير وتسخر إمكاناتها ولجانها؟

• ثورة في مجال التعليم: انطلقت حركة النهضة من إيطاليا خلال القرن الرابع عشر، ثم انتشرت إلى شمالي أوروبا فتكون المناخ الفكري لولادة مفاهيم جديدة، وبدأ الجيل الشبابي بمحاربة قوالب الفلسفة التعليمية العقيمة والتحرر من احتكار رجال الدين للتعليم وميادين العلم والمعرفة والتحكم بعقول الأجيال الناشئة، فتحول التعليم إلى مسؤولية الحكم المدني وأجهزته المستقلة ثم أصبح نشر التعليم من المرتكزات الأساسية لقياس التقدم وفتح المجال للشباب للارتقاء بالمكانة العلمية والقدرات البحثية، الأمر الذي دفع أصحاب العلم والفكر لتشجيع الحركة العلمية والتحفيز على ولادة حب المعرفة والتعلم في شتى العلوم الإنسانية.

نستخلص من ذلك أن المؤشرات التعليمية تؤثر وتتأثر بالحراك السياسي، وما يجري في الساحة العربية من أحداث يفرض علينا قضية ملحة وفي غاية الأهمية، وهي الاهتمام بنوعية التعليم, لما لها من أبعاد ثقافية واجتماعية، فهل هناك خطاب متفق عليه لتفسير ما يجري في العالم العربي؟ وما نصيب "الثورات العربية" من المناهج العربية؟

• ثورة في تطوير النظام الاقتصادي: رؤية النظام الاقتصادي في دولنا العربية منذ العصور الوسطى حتى منتصف القرن التاسع عشر تمثل نمطا نتاجيا آسيويا، أو كما أسماه ماكس ويبر "النمط الآسيوي الوراثي"، وذلك بسبب الملكية المركزية للدولة وغياب الملكية آنذاك، واليوم وفي ظل التحرك لإصلاح القوانين الاقتصادية ينبغي على الدول تصميم المسار المعتدل الأصلح الذي يرفع مستوى معيشة المواطن ويعزز جاذبية الدول للاستثمارات.

• خلاصة الحديث: لكي ينجح مشروع "ربيع العرب" ينبغي إعادة الإنسان العربي ثقته بنفسه ومحاربة القوالب التعليمية الجامدة وتحطيم القيود الإدارية والفكرية التي تراكمت دون معنى أو مغزى, فالثورات في أوروبا كان نتاجها عصر النهضة والتنوير فهل ينتج عصر للتنوير من ربيع العرب?!

back to top