Ad

يجب أن يعرف بوش أنه لا هدوء ولا استقرار ولا ضمان للمصالح الأميركية في هذه المنطقة، ما لم يتوقف العدوان الإسرائيلي المستمر والمتواصل منذ أكثر مـن نصف قرن، وما لم يقرر الشعب الفلسطيني مصيره، وما لم تستردّ سورية هضبة الجولان المحتلة.

لو أن الشيخ إمام، رحمه الله، لايزال حيّاً ولايزال شريكاً للشاعر الشعبي المصري أحمد فؤاد نجم لبدأ بـ«دوْزَنة» عـوده الرَّنان منذ أن سمع أن جورج بن جورج بوش، حفظه الله، قادم إلى المنطقة في زيارة العمر التاريخية، حيث قال وهو «يُوضِّبُ» حقائبه للسفر إلى هذا الشرق الأوسط المُلتهب إنه سيحمل معه حلاً سحرياً للقضية الفلسطينية، ووعد بأن «الدولة المستقلة» ستقوم قبل نهاية هذا العام، وقال أيضاً إنه يحمل مشروع خطة أمنية إقليمية لمواجهة إيران، وإنه يحمل بعض الأمنيات بعسى الله أن يهدي سورية و«تكفَّ شرها عن لبنان»!!

في سنوات سابقة بعيدة، تلوح معالمها كبقايا وشم على ظاهر يدٍ مترهلة، جاء ريتشارد نيكسون، الرئيس إياه الذي ارتكب حماقة فضيحة «ووتر غيت» إلى هذه المنطقة وكان الموسم موسم اتفاقيات كامب ديفيد، وكان التوتر على أشده بين الرئيس السادات، رحمه الله الرحمة الواسعة، الذي ارتطم رأسه بجدار الحقيقة والذي تجرأ، وقال إن الحرب مع إسرائيل تعني الحرب مع أميركا، وبين جبهات الرفض والقبض و«النطِّ» و«العرط»... وكان عود الشيخ إمام «الرنَّان» ينطق بلسان العرب «الغلابة» الذين لا يثقون بالحرب ولا بالسلام!!.

استقبل الشيخ إمام نيكسون بأغنية تقطر ألماً و«مسْخرة» وقال مما قاله فيها:

شرَّفت يا نيكسون بابا

يا بْتاع الووتــــر غيتْ

عَمَلولَكْ سيما و«إيمهْ»

سلاطين الفولْ والزيت

وطافت هذه الأغنية شوارع أحياء الصفيح في المدن والعواصم العربية كلها وتأوه على أنغام الشيخ إمام وكلمات أحمد فؤاد نجم الموجعة الجارحة مثقفو ظاهرة المقاومة الفلسطينية الذين حوَّلوا شارع الحمراء في بيروت «مربطاً» لخيولهم وكان لا يعتبر ثورياً ولا مثقفاً وليس له علاقة بـ«روز لوكسمبرغ» والكتاب الأحمر والرفيق عبدالفتاح إسماعيل ومحبوب الشعب الكوري كيم إيل سونغ من لا يقتني شريط هذه الأغنية وشرائط «دندنات» وتأوهات الشاعر العراقي مظفر النواب صاحب: «القدس عروس عروبتكم»... أطال الله عمره.

شرَّفت يا جورج بوش... فالمنطقة منطقتك... وإسرائيل إسرائيلك وإيران إيرانك... فعلى الرحب والسعة وكل ما يريده منك أهل هذه المنطقة أن تقنع أحباءك وإخوتك جماعة إيهود أولمرت وتسيبي ليفني وباراك ونتانياهو... وشارون الذي انتقم الله منه بقدر ما عذّب الفلسطينيين وقتل من أطفالهم، بأن يكتفوا بما أقاموا فوقه دولتهم من فلسطين، وأن يتركوا ما تبقى لشعب طحنته المآسي حتى النخاع الشوكي ليقيم له «دويلة» مهيضة الجناح فوقه.

اسمع يا بوش يا ابن أبيه... هذا إذا صدقت الوالدة... إن عقدة الشرق الأوسط، الذي لا يهمك فيه إلا «الزَّيت» الذي تحدث عنه الشيخ إمام في «أهزوجته»، التي لم تسمع بها بالتأكيد، هي إسرائيل وما تقوم به، وهي انحيازكم الأعمى لهذه الدولة المتمردة على القرارات الدولية التي لاتزال تتصرّف على أساس أن حدودها حيث تصل جنازير دباباتها، وأنه من حقها أن تحتل ولا تـُجبر على التراجع عن الاحتلال من دون غيرها، وأن تمتلك الأسلحة النووية، وأن ترفض تعاطف العالم ضد قتل الأطفال الفلسطينيين، وأن تشتمَ هذا العالم وتعتبره معادياً للسامية إن هو لم يستنكر إصابة مستوطن بوخزة شوكة في وادي «البادان» أو جبل «جرزيم».

اسمع يا بوش يا ابن أبيه... إنه لا هدوء ولا استقرار ولا ضمان للمصالح الأميركية في هذه المنطقة، وما أكثرها، ما لم يتوقف العدوان الإسرائيلي المستمر والمتـواصل منذ أكثر مـن نصف قرن، وما لم يقرر الشعب الفلسطيني مصيره في أرضه التي احتلت عام 1967، ويقيم الدولة التي تحدّثْتَ عنها أنت بـ«عَظْمَة لسانك» في أنابوليس، وقبلها وبعدها، وما لم تستردّ سورية هضبة الجولان المحتلة كلها حتى حدود الرابع من يونيو عام 1967، وما لم تقبل إسرائيل بأن تكون دولة شرق أوسطية وليس ولاية أميركية ميزانيتها من جيب دافع الضرائب الأميركي.

وهنا وإذا أردت الحقيقة فإن التصرفات الإيرانية الآن وسابقاً وربما لاحقاً أيضاً قد أخافت هذه المنطقة وأهلها، لكن مع استمرار كل هذا العدوان الإسرائيلي المستمر فإنه من غير الممكن أن تستطيع تحقيق ما تفكر به على هذا الصعيد حتى لو أقمت في الشرق الأوسط كل الأيام والليالي المتبقية لك في موقع الرئاسة... وشرَّفت يا بوش يا بابا!!

* كاتب وسياسي أردني