ما يحدث في مجلس الأمة مخجل ومحزن على حد سواء، إذ تتنافس القوى النيابية على الصراخ والاستجوابات، كأنها الوسائل الوحيدة للوصول إلى مبتغاها، ويا ليتها في مجملها تطمح إلى برنامج واضح، فجُل طموحها الاعتراض والرفض من دون تقديم بديل أو حلول سوى ما يدغدغ مشاعر العامة، كشراء المديونيات ورفع الرواتب.القيادي الفعال في علم الإدارة الحديث هو القادر على التأثير في الآخرين باستخدام نفوذه الشخصي، وليس قوة المنصب أو المسمى الوظيفي الذي يحمله، وهذا ينطبق على التربية الحديثة أيضا، فالأب الذي يفرض سلطته «لأنه الأب» من دون محاولة إقناع أو التأثير الإيجابي في نفسية وسلوك أبنائه يُنتج ما نعانيه من أجيال ضعيفة وتابعة، تبحث عن نموذج الأب في أي أحد ليقرر لها وعنها. القيادي الناجح هو من يستثمر وقته وطاقاته في إقناع الآخرين بحجته وتشجيعهم على النقاش والحوار ليتأكد من «إيمانهم» بالعمل والهدف والخطة، وبذلك يضمن حماسهم وعملهم حتى في غيابه أو في غياب حافز واضح.
قصيرو النظر وضعاف الحجة يلجأون إلى القوة والعنف والتهديد لإنجاز أهدافهم. فإما انهم لا يهتمون أو يقدرون عقول الآخرين أو انهم لا يملكون الحجة أو الأسس السليمة لقراراتهم أو توجيهاتهم، فيقطعون الحوار المتكافئ والحضاري بالتهديد، واستخدام سلطة كراسيهم، أي في كل الحالات العنف هو أسلوب لإخفاء ضعف أو عيب.
ونواب مجلس الأمة ليسوا استثناءً، ففي البرلمانات الحضارية يلجأ النائب الى الاستجواب كحل أخير بعد استنفاد الوسائل «السلمية» كلها لإقناع الطرف الآخر، بما في ذلك أساليب الضغط السياسي (اللوبي) والتفاوض العلني والسري، لأن الهدف في هذه الحالة هو الإنجاز وتحقيق ما فيه مصلحة الشعب بأقل تعطيل أو أضرار للعمل، والإنجاز في الجوانب الأخرى المتفق عليها، وحتى إن لم يكن هنالك هامش من الاتفاق، فإن النائب يحترم عقلية ناخبيه، ويضع أمامهم جميع الخيارات التي تم استنفادها قبل اللجوء إلى «القوة»، فهو على ثقة بأن الشعب لا يبحث عن «مصارعة» شيقة أو عن عرض مسرحي يفوز به من له حنجرة أكبر وصوت أعلى، فاحترام عقلية الناخب والوثوق بها تحتم على النائب استخدام وسائل حضارية وأقل ضرراً بمصلحته لتمرير البرنامج الانتخابي أو الرأي الأفضل.
إن ما يحدث في مجلس الأمة مخجل ومحزن على حد سواء، إذ تتنافس القوى النيابية على الصراخ والاستجوابات، كأنها الوسائل الوحيدة للوصول الى مبتغاها، ويا ليتها في مجملها تطمح الى برنامج واضح، فجُل طموحها الاعتراض والرفض من دون تقديم بديل أو حلول سوى ما يدغدغ مشاعر العامة، كشراء المديونيات ورفع الرواتب، وحتى لا تكشف ضحالة عروضها تلجأ الى الاستجوابات وتغيير الحكومة تلو الأخرى، الأمر الذي أدخل البلد في دوامة من دون أي انجاز يذكر على أي صعيد.
إن فشل أو نجاح الحكومة هو مسؤولية مشتركة بين أعضاء المجلسين - الأمة والوزراء - وحتى هذه اللحظة لم يحظ مجلس الوزراء بالوقت أو الدعم الكافيين لإنجاز أي شيء، بسبب مشاغبة البعض المتعمدة، واللجوء غير المبرر إلى القوة من دون إبداء تعاون صادق النية للوصول إلى حلول مثلى، وفي كل الحالات نحن، الشعب، المتضررون.