إن ما يطبع من نسخ لعدد واحد من «عالم المعرفة» يتجاوز الـ43 ألف نسخة، فتخيلوا مقدار الخسارة التي تتحملها خزينة الدولة كل عام لتثقيف الأمة العربية! ولو كان التعامل بالمثل من هذه الدول لقلنا لا بأس بذلك، لكن ما يباع في القاهرة أو سورية من نتاج هيئات الثقافة بـ200 فلس يباع في الكويت بدينارين. في كل دول العالم تقريبا، تتولى وزارة أو هيئة الثقافة مهمة «تثقيف» الشعب، وذلك عن طريق نشر الكتب العلمية والأدبية والثقافية القيمة، وعمل نسخ شعبية منها بأسعار رمزية لا تكاد تذكر، وفي الكويت تدعم الدولة هذا الأمر وتصرف عليه مبالغ طائلة، وهو أمر تشكر عليه، وإن كان من صميم واجباتها، وقد أوكلت هذه المهمة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وهم يؤدون عملا جيدا من ناحية الجودة، فكل إصداراتهم متميزة بشهادة الجميع، لكنهم ربما لم يسألوا أنفسهم أسئلة غاية في الأهمية، وهي: لمن ينشرون ويطبعون؟ وما الغاية والهدف من كل ما ينجزون؟! وهل الهدف وطني أم قومي أم عالمي؟!
إن كان قوميا وعالميا «فيعطيهم» ألف عافية، لكن لا أظن من أجل هذا تمول الدولة أعمالهم وتصرف على نتاجهم، أما إن كان جوابهم إن الهدف وطني وإن غايتهم تثقيف الشعب، فليسمحوا لي أن أقول إن لائحة الأسعار تناقض هدفهم، فمن الواضح أنهم «يفسفسون» أموال الدولة على غير منفعة، وإلا بماذا يفسرون بيعهم العدد الواحد من سلسلة عالم المعرفة بـ«دينار» في الكويت، وبـ«دولار» لباقي الأمة العربية، والاشتراك بـ25 دينارا في الكويت وخارجها بـ25 دولاراً، والأمر لا يقتصر على عالم المعرفة وحدها، بل على باقي الإصدارات، فالسعر دائما في الكويت أربعة أضعاف خارجه، وهو أمر غريب عجيب ويستدعي التأمل، خصوصا إذا عرفنا أن ما يطبع من نسخ لعدد واحد من عالم المعرفة يتجاوز الـ43 ألف نسخة، فتخيلوا مقدار الخسارة التي تتحملها خزينة الدولة كل عام لتثقيف الأمة العربية!
ولو كان التعامل بالمثل من هذه الدول لقلنا لا بأس بذلك، لكن ما يباع في القاهرة أو سورية من نتاج هيئات الثقافة بـ200 فلس يباع في الكويت بدينارين، وهو أمر منطقي وطبيعي ولا يلامون على ذلك، إذا ما حسبنا تكاليف الشحن والتوزيع، أما ما يقوم به «جماعتنا» فهو أمر غريب، فنحن على ما يبدو «حمالي الأسية» وفلوسنا ورق، وعلينا دائما أن ندفع أكثر ونعوض بيع «البلاش» للإخوة العرب، رغم أن هذه الإصدارات تطبع في بلدنا وبأموالنا!
أمر أخير، لو كانت هذه الإصدارات في أغلبها لكتّاب كويتيين، أو تتحدّث عن تاريخ الكويت ورجالاتها، لقلنا إن الهدف وطني ويستحق ذلك، لكن الأمر ليس كذلك بالمرة، ولهذا نتمنى أن يعيد - الأساتذة الكرام- النظر في لائحة أسعارهم الغريبة هذه وليتقبلوا منا كل التقدير والاحترام!
***
المفكر الإسلامي «جمال البنا» 88 عاما، الذي أثارت فتاواه الأخيرة جدلا واسعا، لغرابتها واختلافها عما أجمع عليه أغلبية الفقهاء، حتى اعتبرها بعضهم «تخاريف» رجل عجوز، حيث قام أحد المحامين برفع بلاغ للمحامي العام للأحوال الشخصية، يطالب بالكشف عن قواه العقلية تمهيداً للحجر عليه، ومطالبا بتطبيق المادة 98 من قانون العقوبات لإساءته إلى الدين الإسلامي وعقوبتها لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد على 5 سنين!
لن أدافع عن فتاوى جمال البنا لأنني لم أقتنع بها، ولم أجدها تستند لا إلى منطق ولا إلى أدلة شرعية قوية، فهي اجتهاد شخصي محض جانبه الصواب فيما أرى، لكن هل سأل المطالبون بسجنه أو وضعه في مستشفى المجانين أنفسهم، إن كان لجمال البنا سلطة على الناس ليفرض عليهم اتباع فتواه، وهل الفتاوى ملزمة لأحد أم أنها غير ملزمة؟ لماذا يريد أحدهم أن يضع رجلا طاعنا في السن في مستشفى الأمراض العقلية أو السجن، لمجرد أن فتواه لم تعجبه ولم ترق له؟ ولماذا تكميم الأفواه هذا ضد المخالفين؟ أليس بالإمكان الرد بالحجة والمنطق والبرهان وكفى الله المؤمنين شر القتال؟ والله لو كنت قاضيا في تلك المحكمة لأمرت بوضع ذلك المحامي في السجن، بدلا من الشيخ لأنه هو الذي يسيء حقا للدين الإسلامي حين يحجر على العقول ويسجن الاختلاف والتعدد في الرأي!
***
لا أدري حقيقة من هو «المبذر» الكبير في وزارة الصحة، الذي قرر تخصيص راتب شهري قدره «90 دينارا» لسائقي سيارات الإسعاف «البدون»!
لقد «ذبحت عمرك» يا رجل، بالله عليك من يستطيع العيش وسط هذا الغلاء المستعر بـ«90 دينارا»، والله لقد حسبتها بدل طبيعة عمل!
يعني لو أن هذا الشخص اشترى حاجياته من محل «أبو 100 فلس» وملابسه من سوق الجمعة، واقتصر غذاؤه على الخبز والمعلبات، لحصل عنده عجز في الموازنة منتصف الشهر «بحبحها شويه» رعاك الله، يكفي هذه الفئة المظلومة ما عانت من ظلم من قبل، فلا تخرجهم من حجيم البطالة إلى «ذل» العمل، لأنه إن كانت هذه رواتبهم «فكأنك يا بو زيد ما غزيت...بالمرة»!