بعدما تحدثت بحرقة ولأكثر من ربع ساعة في أحد المؤتمرات التي عقدت منذ أيام حول تعرض الكويت لحالة خطيرة من الهزال والتدهور في كل مجال، في التنمية السياسية والاقتصادية والإدارية، وفي الجانب الأمني (البدون والعمالة السائبة وتجارة الإقامات)، وفي التعليم العام وعلى صعيد الخدمات الصحية، وعلى صعيد البنى التحتية (المياه والكهرباء والاسكان وصيانة الطرق والمرور ...إلخ)، وكيف أن الحكومات المتعاقبة بلا استقرار، وأن عمر الحكومة لا يتجاوز السنتين، وأن الوزير عندنا لا يبقى محتفظا بحقيبته لأكثر من عامين ونصف العام قبل أن يتم تدويره أو تطييره، وأن الدولة تسير بلا خطة طويلة الأمد ولا حتى قصيرة، وأن البرلمان هش ركيك لأنه نتاج انتخابات فردية مريضة بسبب عبث المال السياسي، وشراء الأصوات والفرعيات، والإفرازات الفئوية والطائفية والقبلية، وأنه لهذا لن يقدر على مواجهة هذا الواقع المليء بالتحديات لأنه بلا أجندة موحدة لاعتماده في الغالب على العمل الفردي المتشرذم والمرتبط بالمصالح الشخصية، ولافتقار أغلب النواب لأبسط أبجديات العمل السياسي والنيابي.

أقول إنه بعدما تحدثت عن كل هذه الحقائق الصفراء، الفاقع لونها، والعصية على الإنكار، عقّب أحدهم فقال: لماذا كل هذا التشاؤم؟ ...وأن الكويت ستبقى محفوظة لطيبة قلوب أهلها!

Ad

لذا أجدني قد وصلت إلى مرحلة من اليقين بأن مشكلتنا أكبر بكثير من مجرد التدهور الشامل الذي تمر به البلاد، وأن هذه المشكلة هي «باقعة» مزدوجة ذات رأسين، رأسها الأول يتمثل في أن أغلب سياسيينا ومفكرينا وإعلاميينا يتعاملون مع الواقع بمعايير التفاؤل والتشاؤم، كما يتعامل أهل العشق والحالمون، لا بمعايير الخطط والوقائع والبيانات والأرقام، وثانيهما، هو أن عموم الناس مصابون بحالة إنكار عجيبة، ويعتقدون أنه مهما جرى وصار، ستبقى الكويت محفوظة لطيبة قلوب أهلها!

وأنه في تلك اللحظة التي نتخلص فيها من تضييع وقتنا في تصنيف الأفكار تحت هذه العناوين الساذجة من تفاؤل وتشاؤم، ونبدأ في التعامل معها وفق مقاييس الصواب والخطأ، ونسارع الى توعية الناس بخطورة الواقع، وأن القلوب الطيبة لا تجدي نفعا إن لم تؤازرها العقول النيرة وقبلها القلوب الصادقة المخلصة، في تلك اللحظة فحسب سنكون على الدرب الصحيح، وحينها سندرك أن واقعنا المتهاوي في كل مجالاته لن تنفع معه الحلول الجزئية ولا «الترقيع»، وأن تدوير وزير النفط إلى وزارة المالية ليس حلا، وأن إقناع النواب بتأخير الاستجوابات الى دور الانعقاد الثاني لن يجدي نفعا، ولا غير ذلك من العبث والتضليل، لأن الخلل كامن في الأساسات، ولا حل إلا بإصلاحها من خلال التغيير الجذري للآلية التي تنتج أعضاء البرلمان، وبعدها لطريقة تشكيل الحكومة.

بوضوح ما بعده وضوح أقول لكم، إما هذا وإلا ستبقى كل برلماناتنا القادمة سواء، وكل حكوماتنا المقبلة كسابقاتها، وسيبقى التدهور مستمرا حتى النهاية!