بطاريق مجلس الأمة
مخطئ من يظن أن استجواب وزير الأوقاف أساسه عقائدي، فذلك وهم سوّقه التيار السلفي لتجييش عواطف قواعده، الأمر باختصار صراع بين السلف والإخوان على امبراطورية الوزارة المتمثلة بأموال الوقف، وما تشكله من قوة ضغط وابتزاز سياسي، «ومن صادها عشى حزبه».
عندما كنا أطفالاً في زمن «كمبيوتر صخر»، كنا نتسابق فيما بيننا على حجز دورنا في لعبة «البطريق»، فتجد صيحاتنا تأتي من كل ناحية «أول... ثاني... ثالث... »، والطفل صاحب الدور الأخير «دعلة» ودائماً يبكي، هكذا بدا لي مشهد تسابق النواب يوم الاثنين الماضي في تقديم استجوابيهم، مع اختلاف أننا كأطفال كنا نقتنع بحجز دورنا والاستمتاع به فقط، بينما النواب اليوم لا يقتنعون إلا بـ «اكشن» الصحافة و«الترزز» أمام الفلاشات.لم أستطع إخفاء الضحكة عند قراءتي الأرقام الواردة في صحيفتي الاستجوابين، وهي المراد منها إيهام الناس بأن الاستجوابين فنيان، فالنائب بورمية يرمي إلى تسجيل مكسب سياسي وإعلامي قبل التعديل الحكومي، حتى يقال إن وزير المالية خاف فيما لو تم تدويره، ومخطئ من يظن أنه يرمي إلى إسقاط القروض، فخطوة كبرى مثل هذه تدخرها السلطة للتغطية على انقلابات دستورية كبرى، وعلى أي حال، «حسابات الفوائد والتضخم والأسهم وين ... وبورمية وين».وذلك أيضاً ينطبق على استجواب النائب الطبطبائي، الذي على الرغم من قوته الفنية على الورق، تبقى الأرقام الواردة فيه، وهي بالمناسبة ليست بجديدة على الطبطبائي، غطاء لما هو أكبر، إذ مخطئ من يظن أن استجواب وزير الأوقاف أساسه عقائدي، فذلك وهم سوّقه التيار السلفي لتجييش عواطف قواعده، الأمر باختصار صراع بين السلف والإخوان على امبراطورية الوزارة المتمثلة بأموال الوقف وما تشكله من قوة ضغط وابتزاز سياسي، «ومن صادها عشى حزبه»، وأجمل ما في الاستجوابين هو رؤية دينيي السياسة كالفخار الذي يكسر بعضه، ولنسأل أنفسنا، لو آلت وزارة الأوقاف مرة أخرى إلى السلف، هل ستتغير مادة الاستجواب وما ورد فيها من تجاوزات - إن صحت - وهدر مالي وتعيينات حزبية؟ كل ما سيتغير هو اسم الوزير والتيار المنتمي إليه.ما يجمع الاستجوابين أيضاً هو أن المستجوِبين يعلمون أن هناك تعديلاً حكومياً قادماً، ومع ذلك أرادوا تسجيل النقاط، وهو أسلوب جديد في التكسب بدأ مع وزيرة الصحة السابقة د. معصومة المبارك، عندما قُدم بشأنها استجواب بأثر رجعي برغم علمهم باستقالتها وبأنها «رايحة رايحة»، ما يذكرني بموقف آخر عندما كنا أطفال و«نتشعبط» بباص المدرسة لعلمنا بأنه «رايح رايح» باتجاه البيت. إن القيام بتعديل حكومي معتبر هو استحقاق قائم منذ فترة ولا يعني بالضرورة الخضوع للاستجوابين، برغم أنه برأيي لا عيب في الاستجابة لاستجوابات أخلصت فيها النوايا وتم استخدام بعض من العقل والحكمة فيها، لكن استجوابات PR كهذه لا فائدة من الاستجابة لها لأنها طرحت لمصالح حزبية، وليس لتحقيق هدف إصلاحي لمصلحة الكويت، تماماً مثل «البطريق»، فمهما كنا نحاول لم نستطع مرة إنقاذ الأميرة في نهاية اللعبة، لأن البطريق بطيء، ولذلك دائماً «متخلف» عن غيره، ولا تُرتجى منه فائدة.Dessertليتهم يحرصون على حضور الجلسات واجتماعات اللجان، مثلما يحرصون على حشد الصحافيين والسكرتارية وتقديم الاستجوابات في الثامنة صباحاً والابتسام للكاميرات، وهنا بالمناسبة سؤال يطرح نفسه:أن يقوم النواب بما سبق فهذا مفهوم، لكن الأمين العام ينادي الصحافيين بعد تقديم الاستجوابات، ويمسك صحيفة الاستجواب ويصور معها لوحده ... شكو؟ ... لا ويبتسم بعد!