Ad

يا أهلي.. يا أبناء بلدي.. يا مَن تعقلون.. إن كان عماد مغنية في حياته قد اختطف الجابرية حقا قبل أكثر من عشرين عاما، فإنه اليوم بموته قد شق مجتمعنا وعصف به، وهذا أعظم خطراً لو كنتم تدركون!

لا أعتقد أنه قد مر على تاريخ الكويت الحديث، ناهيك عن القديم طبعاً، أن صار جوُّها مشبّعاً بأنفاس الكراهية والحقد بين أبناء شعبها، وأن حملت بعض صحفها، هذا القدر المرعب من الشتائم والبذاءة والانحدار، وهذا التأجيج المقصود كما هو حاصل هذه الأيام!

قبل كل شيء، لا بد لي من أن أقول إن واقع المجتمع الآيل للسقوط، وهذه الحقيقة المُرّة القاسية، التي غدّت صلعاء مكشوفة للعالمين في الفضائيات والإنترنت والصحافة المطبوعة، لا بد أن تدعو العقلاء الشرفاء الغيورين حقاً على هذا الوطن، إلى التوقف عندها ملياً، والبحث في أسبابها، والعمل على علاجها وتحصين البلاد منها. وطن يُعصف بأبنائه على هذه الشاكلة، ويسهل الانحدار بهم إلى أعمق أعماق المستنقعات، ليس مأموناً عليه أن ينفجر في أي لحظة وتتناثر فيه الأشلاء!

أكثر من عشرين سنة مرت على حادثة اختطاف (الجابرية)، تلك الحادثة التي أشعلت مشاعر الكويتيين جميعاً بلا استثناء، وأوقفتهم صفاً واحداً في واحدة من أبرز المحن التي اعترضت مسيرة هذا الوطن. تلك الحادثة التي أسفرت عن مقتل بريئين من أهلنا بشكل مروع أمام كاميرات التلفزة، تناقل الإعلام بأن من خلفها شخص اسمه عماد مغنية، وحمل الجميع في صدورهم كرهاً لهذا الرجل من دون تردد، لأنه اعتدى على الكويت، كويتنا جميعاً.

لا أحد يمتلك دليلاً قاطعاً ضد عماد مغنية يدينه في جرائمه ضد الكويت، وكل ما أمامنا هو خيوط وقصاصات من هنا وهناك، لكنني وإن كنت لست مطالباً من أحد بشيء، فإن موقفي من الموضوع واضح لا لبس فيه كموقف كل كويتي. إن كان عماد مغنية عدواً لوطني وقد اقترف أي جريمة في حقه فأنا أعاديه وأدينه حياً وميتاً، فمحبة الوطن والولاء له لا مجال فيها للتردد أو للمجاملات.

هذا الموضوع منته بالنسبة لي، واليوم قد مات عماد مغنية، ورحل إلى ربه فإما إلى الجنة وإما إلى النار، وليس هذا من شأني ولا يعنيني، وما كنت بالأحمق ولا السفيه حتى أنتصر لبلدي من خلال كيل الشتائم واللعنات لرجل ميت، كحال العشرات من الذين لوثوا الجو خلال الأيام الماضية ولايزالون ببذاءاتهم التي نشرتها الصحف والإنترنت في الآفاق أمام أمم الأرض!

يا لها من وطنية سقيمة وغيرة مريضة، ووطن مسكين ذلك الذي يذود أصحابه عنه بسلاح الشتائم والبذاءات واللعنات وبرفع أصابعهم وكشف سوءاتهم في وجوه الآخرين، وكم هم مساكين من يصدقونهم في حين أن جيوب بعض هؤلاء منتفخة من مص دم هذا الوطن وسرقته ليل نهار. كم أنت مسكين حقا يا وطني بهكذا أبناء وهكذا وطنية وهكذا غيرة، وكم هو مخيف مستقبلك على أيديهم!

إن جعل ولاء الناس ووطنيتهم محل الاتهام بهذه السهولة أمر خطير للغاية، وقبولنا اليوم بأن يكون طرف ما في هذا المحل، بل أن يصل الأمر إلى مطالبة بعضهم بسحب الجنسيات عن مواطنين كويتيين هكذا من دون مستند قانوني، وكأن الجنسية ورقة رخيصة تسحب وتوهب هكذا كبطاقات عضوية الأندية، سيجعلنا جميعاً عرضة في يوم من الأيام للوقوع في المكان نفسه تبعاً لهوى هذا الطرف أو ذاك.

عدنان عبد الصمد وصحبه الذين أظهروا حزنهم على اغتيال مغنية، ينكرون أن له يداً في أي جريمة تجاه الكويت، وبعيداً عن صحة هذه المقولة في نظرهم وخطئها في نظر بعضهم الآخر، فإنها كافية بالنسبة لي لأقول إن لا أحد يملك الحق إذن في التشكيك بوطنية هؤلاء وحبهم للكويت على الأقل. نعم، قد نقول لهم إنهم مخطئون، ونعارضهم في دعواهم، ولكن من نحن لنشكك بوطنيتهم ونطالب بسحب الجنسية عنهم؟!

يشهد التاريخ على مواقف النائب عدنان عبدالصمد الرجولة الشريفة تحت قبة البرلمان، ويكفيه فخراً أنه من القلة التي تصدت ولاتزال تتصدى لسراق المال العام ولعصابات الفساد، وأنه من القلائل الذين كانوا دائماً يناصرون الشعب في قضاياه كلها. لكنني وإن كنت قلت ذلك، فإنني في ذات الوقت لا أعفيه من الملامة اليوم، فقد كنت أفترض أن ترشده حصافته السياسية التي أعرفها عنه بأن المجتمع لن يتقبل موقفاً شديداً منه ومن جماعته على شاكلة إقامة مجلس عزاء لمغنية، وهو، أي المجتمع، المتشرب في وعيه بأن هذا الرجل مجرم في حق الكويت. إنه موقف سياسي خاطئ لم تحسب أبعاده كلها وسيكون ثمنه غالياً بلا شك يا سيد عدنان.

على الشاطئ المقابل، فإن حكومتنا وكعادتها، تتابع ما يحدث من دون موقف موحد واضح، وكأن ما يحدث لا يعنيها بشكل مباشر. وزير الداخلية يقول بأن مغنية مجرم ويسكت، ووزير الخارجية يكتفي بالقول، «إن الكويت رقم صعب ومن المستحيل أن يقبل القسمة»!

ماذا يعني هذا؟ هل هو لغز أو أحجية؟ أم أنه بيت شعر معناه في بطن شاعر؟! ماذا يراد للناس أن تفهم؟! هل مغنية وبحسب اليقين الرسمي مجرم في حق الكويت؟ أم أن وزير الداخلية يعني أنه مجرم في حق البشرية مثلاً؟ وما هي إجراءات الحكومة تجاه المطالبة به خلال السنوات الطويلة الماضية من حادثة الجابرية إن كانت تتهمه حقاً وأين موقفها منه قبل اليوم؟ وماذا يعني تصريح وزير الخارجية بأن الكويت رقم صعب لا يقبل القسمة؟! هل المقصود مثلا أن «حوبة» الكويت طالت مغنية فقتلته؟ أم المقصود أن المجتمع الكويتي غير قابل للقسمة على اثنين؟ إذن فكيف تسمح الحكومة بهذا الشحن المقصود وهذا الاستقطاب الحاد للناس على خلفية هذا الموضوع الذي لم يقسم المجتمع فحسب.. إنما شرخه شرخا؟!

مصيبة أن يبلغ عجز الحكومة وهزالها إلى هذا الحد، وأن تكون غير قادرة حتى عن رؤية ما يحصل في أواسط شعبها من تفتيت متعمد، وإشعال لنار الفتنة!

يا أهلي.. يا أبناء بلدي.. يا مَن تعقلون.. إن كان عماد مغنية في حياته قد اختطف الجابرية حقاً قبل أكثر من عشرين عاما، فإنه اليوم بموته قد شق مجتمعنا وعصف به، وهذا أعظم خطراً لو كنتم تدركون!