إن كل مواطن شريف ومخلص ومحب لوطنه منا، يعرف واجباته نحو وطنه، وينفذها من دون أن ينتظر أوامر أو نواهي من الحكومة ولا أي أحد آخر، وحدهم الأطفال الصغار هم من يحتاجون إلى من يرشدهم في كل أمر، وكل المطلوب من أحدنا أن يستفتي قلبه بصدق، ليعرف وقتها وبسهولة إن كان ما يصنع صوابا أم خطأ.من أغرب الحجج التي يسوقها هذه الأيام معارضو إزالة الدواوين المخالفة، وكثيرون منهم للأسف أعضاء سابقون في مجلس الأمة، يفترض فيهم أن يدافعوا عن القوانين لا أن يدعوا إلى مخالفتها، قولهم إن الحكومة هي من تسبب بهذه المشكلة، حين لم تمنع أحدا من أصحاب هذه الدواوين من بنائها، وغضت الطرف عنهم تماما، ثم بعد أن قاموا ببنائها وتكلفوا التكاليف الباهظة، التي بلغت أحيانا «بسم الله ما شاء الله» عشرات الآلاف من الدنانير، جاءت لتزيلها بكل بساطة!
وهي حجة غريبة عجيبة، تكاد أن تكون حجة من لا جحة لديه، فكل من بنى ديوانيته «اللطيفة» على أراضي الدولة، بناها مع سبق الإصرار والترصد، لأنه كان يعلم علم اليقين، أن الأرض التي بنى عليها ليست من أملاكه الخاصة، إنما هي ملكية عامة للدولة، لكنه مع ذلك بناها عامدا متعمدا، غير مكترث أو مبال بأحد، لا بجيران تقف سيارات «ضيوفه الكرام» أمام منازلهم كل يوم، ولا بمستخدمي الطريق من المشاة الذين صاروا يمشون وسط الشارع بدل الرصيف، لأن الرصيف أصبح ضمن الحدود الرسمية للديوانية، ولا بقائدي السيارات الذين حجبت ديوانية صاحبنا «المضياف» الرؤية عنهم، وربما تسببت لهم بحوادث كارثية مميتة، وهو حين بنى هذه الديوانية كان يعلم تماما، أن هناك متضررين من عمله هذا، وأنه مخالف للقانون، لكنه مادام قانونا لا تطبقه الحكومة، فقد وجب عليه أن يكسره!
لا يا أساتذتنا الكرام، فبعيدا عن القانون وسلطة القانون، علينا أن نعي أنه ليس كل ما نقوم به من عمل صحيح، نقوم به خوفا من القانون، فهناك أمور أخرى يفترض أن تدفعنا إلى ذلك، كالوازع الأخلاقي والحس الوطني، وهي التي تمنعنا في كثير من الأحيان من ارتكاب الخطأ، حيث نستشعر خطأه بفطرتنا الإنسانية، وإحساسنا الذاتي بالخطأ والصواب، فمن غير المعقول أن أخرب ممتلكات الدولة، فقط لأن الدولة لم تقل لي لا تخربها، ولا يجوز أن أرمي بالقاذورات في الطريق، لأن الدولة لا تعاقبني على مثل هذا الفعل، ولا أن أكسر مصابيح الإنارة في الشوارع، لأن أحدا لن يرمي بي في السجن إن فعلت هذا، وقس على ذلك الكثير!
إن كل مواطن شريف ومخلص ومحب لوطنه منا، يعرف واجباته نحو وطنه، وينفذها من دون أن ينتظر أوامر أو نواهي من الحكومة ولا أي أحد آخر، وحدهم الأطفال الصغار هم من يحتاجون إلى من يرشدهم في كل أمر، وكل المطلوب من أحدنا أن يستفتي قلبه بصدق، ليعرف وقتها وبسهولة إن كان ما يصنع صوابا أم خطأ، وإن كان بناؤه لهذه الديوانية «الميمونة المباركة» حقا أم باطلا، وإن كان في إزالتها ظلم واضح أم عدالة مستحقة!