لا جديد... والأزمة متواصلة!
سيبقى لبنان يسير على طريق «الجـُلجـُلة»، وسيبقى سيف العودة إلى الحرب الأهلية مرفوعاً فوق رؤوس اللبنانيين، فالأجواء غير مريحة على الإطلاق والمنطقة تشتد استقطاباتها وتمحوراتها، و«الأشقاء» يتحدثون بكلام غير قابل للإعراب.
حتى لو لم يتأجل اجتماع البرلمان اللبناني المقرر دستورياً، فإن شيئاً لم يكن سيحدث، وسيكون هذا اليوم الثلاثاء الثالث والعشرين من أكتوبر أحد أيام الأزمة اللبنانية المستفحلة، وستبقى هذه الأزمة مفتوحة على شتى الاحتمالات، حتى مثل هذا اليوم من الشهر المقبل. وقد تخسر «الأكثرية»، التي تسجن نوابها حفاظاً عليهم من شظايا المتفجرات «الأخوية» في زنازين فندق «فينيسيا» المحروس بحراب جيش الجنرال ميشال سليمان، أحد حبات عقدها أو أكثر، وسيبقى كل شيء على ما هو عليه... فلا رئيس جديداً سينتخب، وسيتم ترحيل هذه المشكلة المعقدة إلى محطة أخرى مقبلة. لم يفعل وزراء الخارجية الأوروبيون الذين جاؤوا إلى بيروت شيئاً، وهم يعرفون أنهم لن يفعلوا شيئاً، فالعقدة بالأساس ليست لبنانية... لذلك فإنه لا حلَّ على الإطلاق مادامت المعادلة هي هذه المعادلة، ومادام هناك من له مراكز نفوذ بحجم دولة ضاحية بيروت الجنـوبية المسلحة بدعوات «الولي الفقيه» في طهران وببركاته وبأكثر من عشرين ألف صاروخ بعضها صناعة كورية وبعضها الآخر صناعة إيرانية. لقد مرَّ شهر كامل، بعد المحطة الأولى للاستحقاق الرئاسي، و«الموالون» و«المعارضون» يتبادلون الابتسامات والقبل، لكن بلا أي نتيجة وبلا أي جدوى. ولقد فرح اللبنانيون بمبادرة الرئيس نبيه بري في البدايات، لكنهم اكتشفوا أنها كانت مجرد صدى بأنغام غير جنائزية لما يردده «الأشقاء» القريبون والبعيدون الذين يصرون على أن يلعبوا لعبتهم مع الأميركيين ومع غير الأميركيين بالأوراق اللبنانية وبدماء اللبنانيين وعلى الأرض اللبنانية. لا يجوز التشكيك أو المس بنوايا نبيه بري فهو ومنظمته، منظمة «أمل»، أول ضحايا انتصارات «حزب الله» الإلهية، وهو في داخله ودخيلته ضد كل ما جرى قبل اغتيال رفيق الحريري وبعده، وهو أشد رغبة من فؤاد السنيورة وسمير جعجع ووليد جنبلاط في التخلص من بقية ما تبقى من «الأمن المستعار» وإنهاء ظاهرة جيوش «المال الحلال» التي بعد انتصاراتها الباهرة في يوليو العام الماضي نقلت خنادقها من الجنوب إلى ساحة رياض الصلح، وأصبحت مقاومتها الباسلة موجهة إلى مبنى رئاسة الوزراء اللبنانية (السرايا) بعد أن كانت موجهة إلى مستعمرات «الكيان الصهيوني» في أرض فلسطين العربية.«أنت إن قُلْتها متّْ، وإن لم تقلها متّ.ْ.. فقُلْها ومتْ»... إن هذه هي حال نبيه بري، فهو يشعر بمرارة أكثر من المرارة التي يشعر بها وليد جنبلاط وسعد الحريري، لكنه يتصرف بكل هذه الحكمة لأنه رأى كل تلك الرؤوس التي تدحرجت والأجساد التي مزَّقتها شظايا السيارات المفخخة، إنه قرأ بلاشك حكاية الأسد والذئب والثعلب، فبعد أن اصطاد هؤلاء ثوراً وغزالاً وأرنباً قال الأول للثاني أقْسِم بيننا فردَّ قائلاً إن المسألة واضحة ومعروفة، فالثور لك والغزال لي والأرنب للثعلب، فصفعه ملك الغابة صفعة أطاحت برأسه... ثم استدار، أي الأسد، نحو الثعلب وقال له «أقْسِم بيننا»... فقال الأرنب لفطورك، والغزال لغدائك، والثور لعشائك... فقال الأسد ما أعدلك في القسمة... من علَّمك هذه الحكمة؟ فرد الثعلب: فِعلُك برأس الذئب. حتى لو لم يلجأ نبيه بري إلى التأجيل مراهنة على معجزة قد تقع، فإن هذا اليوم سينتهي من دون إحراز أي تقدم، وسيذهب نواب المعارضة إلى ساحة البرلمان، لكنهم لن يحضروا الجلسة المقررة وسيختار بعضهم الجلوس على مقاعد الطاولة ذاتها التي جلس رفيق الحريري على أحدها قبل اغتياله بلحظات في المقهى المقابل، وستصدر تصريحات من هؤلاء وأولئك، وستبقى الأزمة المفتوحة على شتى الاحتمالات، وسيكون اللقاء مجدداً في مثل هذا اليوم من الشهر المقبل الذي قد تشهد أيامه أجساد نواب تتطاير قطعاً في الهواء، كما تطايرت أجساد من سبقهم من زملائهم على هذا الطريق بفعل السيارات المفخخة!سيبقى لبنان يسير على طريق «الجـُلجـُلة»، وسيبقى سيف العودة إلى الحرب الأهلية مرفوعاً فوق رؤوس اللبنانيين، فالأجواء غير مريحة على الإطلاق والمنطقة تشتد استقطاباتها وتمحوراتها، و«الأشقاء» يتحدثون بكلام غير قابل للإعراب، وهؤلاء عندما يقولون إنهم سيكونون مع أي تفاهم لبناني داخلي، فكأنهم يؤكدون أن الأزمة اللبنانية المستفحلة لن تنتهي على خير، وذلك لأنه لن يكون هناك مثل هذا التفاهم مادام أن شروطهم التعجيزية لم تتحقق، والتي إن هي تحققت، فإن العودة إلى أيام استلاب الإرادة ومصادرة السيادة لن تكون محتملة فقط، بل مـؤكدة... وألف مؤكدة. *كاتب وسياسي أردني