يستكمل الدكتور فضل نصائحه لأعضاء الجماعات الإسلامية التي عرضها في الحلقتين السابقتين فيؤكد وجوب السعي إلى إطلاق سراح المعتقلين، ملمحاً إلى أسرى غوانتانامو، الذين يعد العمل على إنقاذهم فرض عين على القادرين على إنجاز هذه المهمة.

Ad

ثم يوجه المؤلف سبع نصائح إلى ولاة الأمر، في ما يشبه البرنامج السياسي للحركة الجهادية الجديدة التي تؤسسها هذه الوثيقة، فلا يكتفي بالمقولات الأخلاقية المعتادة مثل تقليل مظاهر الفساد في وسائل الإعلام أو تشجيع دعاة الإسلام وزيادة مساحة الدين في المناهج الدراسية وإنما يحدد أهدافاً ذات طبيعة اقتصادية–اجتماعية كالتخلص من البطالة.

وتأتي النصيحة الأخيرة خارج أي سياق للوثيقة بهجوم مفاجئ على فكرة القومية العربية ترديداً لمقولات الإسلاميين التقليديين التي تغيرت عند فصائل مهمة منهم، تطوروا فكرياً منذ سنوات باتجاه قبول المزاوجة بين العروبة كإطار للحركة ومفاهيم «الإسلام السياسي» كمضمون لها، وهو ما يبدو الدكتور فضل بعيداً عنه.

وفيما يلي نص الحلقة الرابعة عشرة:

14) جواز الأخذ بالأيسر وبالرخصة الشرعية لرفع الحرج ودفع المشقة:

قال الله تعالى: «... يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ...» (البقرة:185)، وقال تعالى: «يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ...» (النساء:28)، وقال سبحانه: «...وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ...» (الحج:78)، ولهذا قال الشاطبي رحمه الله: «إن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع» من (الموافقات ج1).

المتنطعون

وقالت عائشة رضي الله عنها: (ما خُيّر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا) رواه البخاري، وقال (صلى الله عليه وسلم): «هلك المتنطعون» قالها ثلاثاً... رواه مسلم، ومن التنطع وهو التعمق: التشدد في غير موضع التشدد. ولما أمـر النـبي (صلى الله عليه وسلم) الصحابة بالرخصة وقت الشدة فلم يفعل بعضهم وصفهم بقوله: «أولئك العصاة، أولئك العصاة» رواه مسلم، وقال أنس رضي الله عنه «كنا نسافر مع النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم» متفق عليه. ولما وجد من أخذوا برخصة الفطر في السفر من القوة ما مكنهم من خدمة الباقين قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «ذهب المفطرون اليوم بالأجر» متفق عليه. فلا يجوز الإنكار على من أخذ بالرخصة الشرعية بعد ورود الشرع بجوازها، ويتدرج ذلك حتى تجوز التقية عند الخوف، ويجوز إظهار الكفر مع طمأنينة القلب عند الإكراه الملجئ كما صنع عمار بن ياسر رضي الله عنهما مع كفار مكة حتى قال له النبي (صلى الله عليه وسلم) «إن عادوا فعد» رواه عبد الرزاق والبيهقي وأبو نعيم وغيرهم وجمع رواياته الزيلعي رحمهم الله في (نصب الراية ج4). وأجاز النبي (صلى الله عليه وسلم) لمحمد بن مسلمة أن يتكلم في حق النبي (صلى الله عليه وسلم) لأجل مصلحة عامة للمسلمين (في حادثة كعب بن الأشرف). كما أجاز ذلك أيضاً للحجاج بن علاط من أجل مصلحته الخاصة بمكة بعد غزوة خيبر رضي الله عنه. على أنه يجدر التنبيه هنا على أنه لا تقية ولا خداع في العهود كما سبق بيانه، وكما دل عليه حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما.

النسيان

وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» رواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما، والحديث حسنه النووي في «الأربعين النووية» رحمهم الله، والرخصة في إظهار الكفر عند الإكراه رخصة خاصة بهذه الأمة الإسلامية يدل عليه قول النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحديث السابق «وضع عن أمتي» ولم يكن مرخصاً بذلك في الأمم السابقة... ذكره القرطبي في تفسيره، ويدل عليه أيضًا حديث صهيب في قصة أصحاب الأخدود فلم يترخصوا في إظهار الكفر رغم إحراقهم، ويدل عليه حديث خباب «إن من كان قبلكم كانوا ينشرون بالمناشير»، والحديثان في الصحيحين، رضي الله عنهم أجمعين.

الإنكار

فلا يجوز الإنكار على من أخذ بما يجوز من الرخصة الشرعية خصوصا في الشدائد، كما لا يجوز للمسؤولين في الجماعات الإسلامية أن يلزموا أتباعهم بالعزيمة إذا أرادوا الأخذ بالرخصة، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه» رواه مسلم، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) «إن شر الرعاء الحطمة» رواه مسلم، و«الرعاء» جمع راع، وهو كل من يدبر أمور غيره، و«الحطمة» الذي يشق على رعيته فيحطمهم. وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) «إنما يرحم الله من عباده الرحماء» متفق عليه، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسوة حسنة لأمته في ذلك، فعندما اعترض مسيلمة رجلين من المسلمين أقر له أحدهما بالنبوة فخلى سبيله، وأبى الآخر فقتله، عذر النبي (صلى الله عليه وسلم) الأول وأثنى على الثاني، وكذلك عندما خرج الأسود العنسي، باليمن وادَّعى النبوة وغلب على صنعاء انقسم الصحابة ثلاثة أقسام، منهم من قفل راجعًا إلى المدينة كالمهاجر بن أبي أمية، ومنهم من تخفى باليمن كمعاذ بن جبل، ومنهم من احتال على الأسود حتى قتله وهو فيروز الديلمي، فلم يعاتب النبي (صلى الله عليه وسلم) من رجع ومن تخفى وأثنى على فيروز كما رواه البخاري، والخبر بطوله في «تاريخ الرسل والملوك» لابن جرير الطبري، رضي الله عنهم أجمعين.

خطأ

وهناك أمور لا يقال فيها عزيمة ورخصة، وإنما يقال فيها صواب وخطأ أو حق وباطل، ومنها الخيارات الشرعية الواجبة على المسلمين نحو مخالفيهم والتي سبق الكلام فيها في البندين الثاني والخامس، فمن وضع الحرب موضع السلم إذا وجب، أو عكس ذلك، ومن أقدم حين يجب الانسحاب، أو عكس ذلك، فقد أخطأ وزل، ولا يقال هنا رخصة وعزيمة، ولهذا سمى النبي (صلى الله عليه وسلم) انحياز خالد رضي الله عنه في مؤتة «فتحاً» ولم يسمه رخصة، كما تأسف عمر بن الخطاب رضي الله عنه على صنيع أحد قادة جيوشه، وهو أبو عبيد بن مسعود الثقفي حين اقتحم الجسر ليصل إلى عدوه فهلك ومن معه من المسلمين، فقال عمر «رحم الله أبا عبيد لو كان تحيز لي لكنت له فئة».

15) محاسبة النفس والتناهي عن المنكر داخل الجماعات الإسلامية:

قال الله تعالى «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79)» (المائدة: 78، 79). وكان من أسباب لعن الله لليهود أنهم تركوا التناهي عن المنكر في ما بينهم، ومع ذلك فقد رأيناهم يحاسبون -في هذا العصر- موشى ديان وغولدا مائير بعد حرب 1973م حتى استقالا، واليوم يحاسبون رئيس إسرائيل (موشى كتساف) ورئيس وزرائهم (أولمرت). هذا في حين نرى كثيرًا من الجماعات الإسلامية لا تحاسب أنفسها على الخطأ، وبالتالي تتكرر الأخطاء وتتضاعف، وهذا كله من أسباب الخذلان والفشل كما أنه خلاف الواجب.

المهالك

ولقد رأيت في زماننا هذا أمثلة للمفتي الجنرال الذي يقود إخوانه وأتباعه إلى المهالك والمقابر والسجون بدون أهلية شرعية ولا عسكرية، وهو مازال بعد سجنه يدعي الزعامة كأنه ما اقترف هفوة من الهفوات، ولا يحاسب نفسه ولا يحاسبه أتباعه، فأي خير يُرجى من هؤلاء؟، وهل هم إلا كما قال الشاعر:

لكل داءٍ دواءٌ يُستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها

ولو شئت أن أقول منهم فلان وفلان لقلت.

وقد سبق ذكر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد أنكر على خالد وعلى أسامة رضي الله عنهما، ودفع ديات من قتلوا في ذلك، وأنكر على عبد الله بن حذافة رضي الله عنه. وقد قال الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ...»(النساء:135). لو حاسب أعضاء الجماعات الإسلامية أنفسهم وقادتهم على الأخطاء، لكان في ذلك خير كثير في الدنيا والآخرة. وقال عمر رضي الله عنه «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا». وفي قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ...»(الحشر:18)، قال العلماء هذه الآية أصل في محاسبة النفس.

أسرى

16) السعي في فك أسرى المسلمين واجب:

وهو فرض كفاية على أمة المسلمين إذا تركوه أثموا جميعهم، وإذا قام به بعضهم سقط الإثم عن الباقين. وقال ابن عابدين في (حاشيته ج4) «انقاذ الأسير وجوبه على الكل من المشرق والمغرب ممن علم» ويجب السعي في ذلك بكل وسيلة ممكنة كما ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه «الأموال»، وإذا تعين فداؤهم بالمال وجب ذلك وإن أتى على جميع أموال بيت المال وأموال المسلمين... ذكره القرطبي في (تفسيره ج5) وابن قدامة في (المغني ج9) رحمهم الله أجمعين، والأصل في ذلك هو قول النبي (صلى الله عليه وسلم) «فكوا العاني» رواه البخاري، وما ورد في حديث صحيفة علي رضي الله عنه وفيها «فكاك الأسير» رواه البخاري... و«العاني» هو الأسير مشتق من المعاناة أو من الحاجة إلى العون، فدل الحديث على الأمر بوجوب السعي في فكاكه وإنقاذه، وفي شرح هذا الحديث نقل ابن حجر عن ابن بطال قوله «فكاك الأسير واجب على الكفاية، وعلى هذا جميع العلماء» في «فتح الباري ج6» رحمهم الله.

ومع أن الأصل في فك الأسرى أنه فرض كفاية فإنه قد يصير فرض عين إن تعين وانحصر في بعض القادرين على ذلك، ومثال ذلك: تعينه على عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه عندما طلب منه ملك الروم أن يقِّبل رأسه كي يطلقه هو وأسرى المسلمين من عنده ففعل ذلك ابن حذافة، فأطلقهم. وكان هذا في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وربما لو رأى بعض الحمقى ابن حذافة وهو يقبل رأس ملك الروم لقالوا إن ابن حذافة سوف يتنصر أو إنه قد تنصر ودخل في النصرانية، أما الراسخون في العلم فدأبهم ما فعله عمر لما رجع ابن حذافة إلى المدينة وأخبره بما حدث، فقال عمر: «حق على كل مسلم أن يقبل رأس ابن حذافة» وقام عمر فقبل رأسه رضي الله عنه. وكذلك الحال في كل من تعين عليه السعي في فكاك الأسرى، فإن سعى فله الثواب الجزيل بالتخفيف عن الأسرى وبرفع الحرج والمؤاخذة الشرعية عن غيره من عموم المسلمين، وإن قعد من تعين عليه ذلك فهو آثم مأزور كالقاعد عن غيره من فروض العين. وفي هذا الزمان هناك من تسببوا في سجن المئات بل الآلاف من المسلمين بحماقاتهم، والسجن بلاء كما قال تعالى -حكاية عن يوسف عليه السلام- «... وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ...» (يوسف:100)، ومن هنا أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بالسعي في فك الأسرى، فإذا قام من يسعى في ذلك الذي هو واجب عليهم، أنكر عليه هؤلاء الحمقى وطلبوا منه السكوت، فهل هذا إلا من الجهل بالدين ومن قسوة القلوب؟!

نصيحة

17) نصيحة لولاة الأمور في بلاد المسلمين:

1) تحكيم الشريعة الإسلامية:

من واجبات الدين العظمى، يختل الإيمان بتركها أو بجحودها أو بتفضيل غيرها عليها، قال الله عز وجل: «فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً (65)» (النساء:65)، وقال تعالى: «إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)» (النور:51).

وما تفرق المسلمون وما ذلوا ولا هانوا على الأمم إلا بتركهم تحكيم شريعة ربهم، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه «إنا قوم قد أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العز في غيره أذلنا الله»، وهذا مفهوم من قوله تعالى: «... فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)» (النور:63)، وقال سبحانه: «وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)‏» (المائدة:49، 50).

2) تقليل المفاسد الظاهرة فيه خير للبلاد والعباد:

فإن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها، فإذا أعلن بها أضرت الجميع، ولهذا فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الصحيح «كل أمتي معافى إلا المجاهرين» الحديث متفق عليه، وهم المظهرون للمعاصي، وأنتم ترون الآن الدول تدمر دولة تلو أخرى، وما ذاك إلا بسبب الظلم والذنوب والفساد فقد قال الحق عز وجل «...وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)‏ « (القصص:59)، وقال تعالى «وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (16)» (الإسراء:16)، ومعنى «أمرنا مترفيها» أي أمرناهم بالشرع بدلالة الآية قبلها «... وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15)» (الإسراء:15) «ففسقوا فيها» أي لم يلتزموا بالشرع. فدمرهم الله تدميرًا، فليحذر العقلاء والله يمهل ولا يهمل، وإذا كثرت المفاسد فإن الله يدمر البلاد، وإن وجـد فيـها الصالحون، كما سئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «أنهلك وفينا الصالحون؟» فقال (صلى الله عليه وسلم) «نعم، إذا كثر الخبث» متفق عليه، والمفاسد الظاهرة هي أكثر ما يستفز الشباب المتدين إلى الصدام مع السلطات في بلاد المسلمين إذ تؤدي إلى ردود أفعال عنيفة من جانب الشباب بما يضر السلام الاجتماعي.

فتقليل الفساد الظاهر في وسائل الإعلام والأماكن العامة خير للبلاد والعباد، والله سبحانه حليم صبور، ولكنه سبحانه إذا أسف وأنزل نقمته طاشت لها العقول، قال تعالى «فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (56) «(الزخرف:55، 56)، ولا يثبت للأعداء إلا الجندي ذو العقيدة، أما من نشأ على الخلاعة فإنه يفر من أول مواجهة.

تشجيع

3) تشجيع دعاة الإسلام وتيسير عملهم فيه خير كبير للبلاد والعباد.

أما البلاد: فإن الله سبحانه قد قضى ألا يهلك البلاد وإن وجد فيها بعض المفاسد إذا وجد بها الدعاة المصلحون، كما قال سبحانه «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)‏» (هود:117)، فهؤلاء المصلحون يدفع الله بهم البلاء عن البلاد بدعوتهم ودعائهم، ويحفظ غيرهم بهم.

وأما العباد: فإن عمل الدعاة إلى الله من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى تقليل معدلات الجرائم والانحرافات بأنواعها في البلاد، وهذا يخفف العبء الأمني من جانب، ويجلب الرزق الإلهي والبركة من جانب آخر حسب قوله تعالى «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ...» (الأعراف:96). وقـال تعالى: «وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً (16)» (الجن:16).

مناهج

4) تقوية مناهج تدريس الدين الإسلامي.

ورفع مستواها وبصفة خاصة في المعاهد والكليات الإسلامية (كالأزهر) لرفع المستوى الشرعي للخريجين والدعاة، مع رفع مرتباتهم وامتيازاتهم (بخلاف سياسة اللورد كرومر) لتعود إليهم ريادة الشباب والأمة، بما يحصن الشباب من الغلو والأمة من الانحرافات.

5) التخلص من البطالة.

التي تدفع إلى اليأس والإحباط، وذلك باتخاذ كل التدابير الكفيلة بتنشيط الاقتصاد وزيادة فرص العمل لاستيعاب الشباب ويتبع ذلك تخفيف معدلات الفقر والجريمة والعنوسة والانحرافات الأخلاقية.

الغاء

6) تولية الأكفاء الأمناء للمناصب أساس كل خير وصلاح وإصلاح.

ولهذا كانت العدالة مشترطة فيمن يتولى الولايات على المسلمين -كما ذكرته في البند التاسع- كي يقدم مصالح الناس على مصلحته الخاصة. وجمع الله هذه الصفات في قوله تعالى: «...إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)» (القصص:26)، وقوله تعالى: «... لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)» (البقرة:124)، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» قالوا: كيف إضاعتها؟ قال (صلى الله عليه وسلم) «إذا وسد الأمر إلى غير أهله». الحديث متفق عليه.

وفي قصة يوسف عليه السلام وما فعله من حسن التدبير لإنقاذ مصر من القحط والمجاعة الطويلة دليل على أهمية الإدارة الرشيدة في صلاح أحوال البلاد والعباد... وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته» متفق عليه.

أوهام

7) الوحدة العربية ضرب من الأوهام.

لأنها لم تقم من قبل أبدًا، والتاريخ شاهد، «والعادة مُحكّمة»، وبالتالي فإنها لن تقوم، وعندما اجتمع العرب من قبل لم تكن تلك وحدة عربية ولا دولة عربية كبرى، وإنما اجتمعوا في دولة الخلافة الإسلامية هم والترك والعجم والكرد والبربر وغيرهم. وقد قال أبو عبد الرحمن بن خلدون في «مقدمته» «العرب شعب لا يجمعهم إلا دين» أ.هـ. ومن قبل هذا كله فقد قال الله عز وجل «...وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ...» (آل عمران:103)، وقال تعالى -ممتنا على نبيه (صلى الله عليه وسلم)- «...هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) «(الأنفال: 62، 63).

ولم يرفع هذه الشعارات إلا الاستعمار وأشياعه فرفعوا شعار «القومية العربية» منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي للوقيعة بين العرب والأتراك لتفتيت الدولة العثمانية، ونجحوا في ذلك في الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918م)، ثم رفعت بريطانيا ممثلة في وزير خارجيتها «إيدن» شعار «الوحدة العربية» عام 1941م لإجهاض أي محاولة لإحياء الخلافة الإسلامية بعد زوال الخلافة العثمانية، فرفعوا شعار «الوحدة العربية» لقطع الصلة بين العرب والعجم خصوصا أن مسلمي الهند كانوا من أشد المتحمسين لإحياء الخلافة، فجاء شعار الوحدة العربية بديلاً عن الخلافة وكان نواة ذلك تأسيس «جامعة الدول العربية» عام 1945م. هذه هي حقيقة الأمور وحقيقة الوحدة العربية التي لن تتحقق أبدًا إلا إذا عاد الناس إلى تحكيم شريعة ربهم فيؤلف بين قلوبهم كما فعل بأسلافهم. وإلا فإن البديل هو ما عليه الحال الآن من التفرق والتناحر واستعلاء الأعداء والتخلف، وقد قال الله عز وجل «...إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ» (الرعد:11).